للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد خطبها بعده خلق كثير من أشراف قريش، فقالت: ما كنت لأتَّخذ حموًا بعد رسول اللَّه ، وواللَّه لا يؤويني ورجلًا بعد الحسين سقفٌ أبدًا. ولم تزل كمِدةً حتى ماتت. ويقال: إنها إنما عاشت بعده أيامًا يسيرة، فاللَّه أعلم [وابنتها سُكينة بنت الحسين كانت من أجمل النساء حتى إنه لم يكن في زمانها أحسن منها، فاللَّه أعلم] (١).

وروى أبو مخنف، عن عبد الرحمن بن جندب: أن ابن زياد -بعد مقتل الحسين- تفقد أشراف أهل الكوفة، فلم ير عبيد اللَّه بن الحرّ بن يزيد، فتطلَّبه حتى جاءه [بعد أيام، فقال: أين كنت يا بن الحرّ؟ قال: كنت مريضًا، قال: مريض القلب أم مريض البدن؟ قال: أمّا قلبي فلم يمرض، وأمّا بدني فقد منَّ اللَّه عليه بالعافية. فقال له ابن زياد: كذبتَ، ولكنَّك كنت مع عدوِّنا، قال: لو كنتُ مع عدوك لم يخفَ مكانُ مثلي ولكان الناس شاهدوا ذلك. قال: وغفل عنه ابن زياد غفلة (٢)، فخرج ابن الحرِّ فقعد على فرسه، ثم قال: أبلغوه أني لا آتيه -واللَّه- طائعًا. فقال ابن زياد: أين ابن الحرّ؟ قالوا: خرج، فقال: عليَّ به، فخرج الشُّرط في طلبه، فأسمعهم غليظ ما يكرهون، وترضَّى عن الحسين وأخيه وأبيه، ثم أسمعهم في ابن زياد غليظًا من القول] (٣) ثم امتنع منهم وقال في الحسين وفي أصحابه شعرًا:

يقولُ أميرٌ غادرٌ حقّ غادرٍ … ألا كنتَ قاتلتَ الشَّهيدَ ابنَ فاطِمَهْ

[ونَفْسي على خذْلانِهِ واعْتِزالِهِ … وبَيْعَةِ هذا الناكثِ العَهْدِ لائمَهْ] (٤)

فيا نَدَمي أنْ لا أكونَ نصرتُهُ … ألا كلُّ نفسٍ لا تُسَدَّدُ نادمَهْ (٥)

سَقَى اللَّهُ أرواحَ الذينَ تآزرُوا … على نَصْرِهِ سُقْيا من الغيثِ دائمَهْ

وقفتُ على أَجْداثِهِمْ ومَجَالهِمْ … فكادَ الحشي يَنْقَضُّ والعينُ ساجمَهْ

لَعَمْري لقد كانُوا مَصَاليتَ في الوغى … سِراعًا إلى الهَيْجا حُماةً خضارمَهْ

تآسَوْا علَى نصرِ ابنِ بنتِ نبيِّهِمْ … بأسْيافِهِمْ آسَاد غِيْلٍ ضراغمَهْ

فإنْ تقتلُوا تلكَ النفوسَ تقيَّةً … علَى الأرضِ قَدْ أضحتْ لذلكَ واجمَهْ


= تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما … وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
(١) ما بين حاصرتين ليس في ب.
(٢) كذا في أ وتاريخ الطبري. ووقعت في ط: وعقل عن ابن زياد عقلة.
(٣) ما بين حاصرتين اختصر في ب إلى: فأسمع ابن الحر لابن زياد غليظ ما يكره، ثم خرج من عنده.
(٤) هذا البيت في النسخة ب فقط. وقد أورده ابن عساكر وابن الأثير.
(٥) اضطرب هذا البيت في المطبوع، حيث ورد الشطر الثاني فيه: لذو حسرة ما إن تفارق لازمة، وهذا شطر من بيت ذكره الطبري وابن عساكر ولم يرد في نسخ كتابنا، ولفظه:
وإني لأني لم أكن من حماته … لذو حسرة ما إن تفارق لازمة