للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الغشمة (١)، واللَّه لأقتلنَّهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال النعمان: يا أمير المؤمنين! أنشدك اللَّه في عشيرتك وأنصار رسول اللَّه . وقال له عبد اللَّه بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك أتقبل منهم؟ قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم.

وقال يزيد لمسلم بن عقبة: ادع القوم ثلاثًا، فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم، وكفَّ عنهم، وإلا فاستعن باللَّه وقاتلهم، وإذا ظهرتَ عليهم فأَبحِ المدينة ثلاثًا ثم اكفف عن الناس، وانظر إلى علي بن الحسين فاكفف عنه، واستوص به خيرًا، وأَدنِ مجلسه، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه. وأمره إذا فرغ من المدينة أن يذهب إلى مكة لحصار ابن الزبير (٢). وقال له: إن حدث بك أمر فعلى الناس حصين بن نمير السَّكوني.

وقد كان يزيد كتب إلى عبيد اللَّه بن زياد أن يسير إلى [ابن] (٣) الزبير فيحاصره بمكة، فأبى عليه وقال: واللَّه لا أجمعهما للفاسق أبدًا، أقتل ابن بنت رسول اللَّه وأغزو البيت الحرام؟! وقد كانت أمُّه مَرجانة قالت له حين قتل الحسين: ويحك ماذا صنعت وماذا ركبت؟! وعنَّفته تعنيفًا شديدًا.

قالوا: وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته: يزيد القرود، شارب الخمور، تارك الصلوات، متعكف على القينات. فلما جهَّز مسلم بن عقبة واستعرض الجيش بدمشق جعل يقول:

أَبْلِغْ أبا بكرٍ إذا الجيشُ سَرى … وأَشرفَ الجيشُ على وادي القُرى

أَجَمْعَ سكرانَ من القومِ تَرى … يا عَجبًا من مُلحدٍ في أمِّ القُرى

مخادعٍ للدَّين يَقْضي بالفِرى (٤)

وفي رواية:

أَبْلِغْ أبا بكرٍ إذا الأمرُ انْبَرى … ونَزَلَ الجيشُ على وادي القُرى

عشرونَ ألفًا بينَ كهلٍ وفتى … أَجَمْعَ سكرانَ من القوم تَرى (٥)

قالوا: وسار مسلم بمن معه من الجيوش إلى المدينة، فلما اقترب مها اجتهد أهل المدينة في حصار بني أمية وقالوا لهم: واللَّه لنقتلنَّكم عن آخركم أو تعطونا مَوْثقًا ألا تدلُّوا علينا أحدًا من هؤلاء الشاميِّين، ولا تمالئوهم علينا، فأعطَوهم العهود بذلك، فلما وصل الجيش تلقاهم بنو أمية، فجعل مسلم يسألهم


(١) "الغثمة": الظالم.
(٢) تحرف في المطبوع إلى: نمير.
(٣) سقطت من المطبوع.
(٤) "الفِرى": جمع فرية، وهي الكذبة.
(٥) الأبيات في تاريخ الطبري (٥/ ٤٨٤) وابن الأثير (٤/ ١١٢) ومختصر تاريخ دمشق (٢٤/ ٢٩٣).