للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نُسِرّ، وأن ندعو إلى طاعة ابن الزبير ونقاتل عليها. فمال الضحاك بمن معه فرجع إلى دمشق، فأقام بها بمن معه من قيس ومن لفَّ لفيفها، وبعث إلى أمراء الأجناد وبايع الناس لابن الزبير، وكتب بذلك إلى ابن الزبير يعلمه بذلك. فذكره ابن الزبير لأهل مكة وشكره على صنيعه، وكتب إليه بنيابة الشام. وقيل: بل بايع الناس لنفسه بالخلافة. فاللَّه أعلم أي ذلك كان.

والذي ذكره المدائني: أنه إنما دعا إلى بيعة ابن الزبير أولًا، ثم حسَّن له عبيد اللَّه بن زياد أن يدعو إلى نفسه، وذلك إنما فعله مكرًا منه وكبارًا ليفسد عليه ما هو بصدده، فدعا الضحاك إلى نفسه ثلاثة أيام، فنَقَم الناس عليه ذلك وقالوا: دعوتَنا إلى بيعة رجل فبايعناه ثم خلعته من غير سبب ولا عذر، ثم دعوتَنا إلى نفسك؟! فرجع إلى البيعة لابن الزبير، فسقط بذلك عند الناس، وذلك الذي أراد ابن زياد.

وكان اجتماع عبيد اللَّه بن زياد به بعد اجتماعه بمروان وتحسينه له أن يدعو إلى نفسه، ثم فارق مروان ليخدع له الضحاك، فنزل عنده بدمشق، وجعل يركب إليه كل يوم، ثم أشار ابن زياد على الضحاك أن يخرج من دمشق إلى الصحراء ويدعو بالجيوش إليه ليكون أمكن له، فركب الضحاك إلى مرج راهط فنزل بمن معه من الجنود، وعند ذلك اجتمع بنو أمية ومن اتبعهم بالأردن، واجتمع إليهم مَنْ هنالك من قوم حسان بن مالك من بني كلب.

ولما رأى مروان بن الحكم ما انتظم من البيعة لابن الزبير وما استوسق له من الملك عزم على الرحيل إليه لمبايعته، وليأخذ منه أمانًا لبني أميَّة، فسار حتى بلغ أَذْرِعات، فلقيه ابن زياد مقبلًا من العراق، فصدَّه عن ذلك، وهجَّن رأيه، واجتمع إليه عمرو بن سعيد بن العاص وحُصين بن نُمير وابن زياد وأهل اليمن وخلق، فقالوا لمروان: أنت كبير قريش ورئيسها، وخالد بن يزيد غلام، وعبد اللَّه بن الزبير كهل، فإنما يُقرع الحديد بعضه ببعض، فلا تباره بهذا الغلام، وارم بنحرك في نحره، ونحن نبايعك، ابسُط يدك، فبسط يده، فبايعوه بالجابية في يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين. قاله الواقدي.

فلما تمهَّد له الأمر سار بمن معه نحو الضحاك بن قيس، فالتقيا بمرج راهط، فغلبه مروان بن الحكم وقتله وقتل من قيس مقتلة لم يُسمع بمثلها، على ما سيأتي تفصيله في أول سنة خمس وستين، فإن الواقدي وغيره قالوا: إنما كانت هذه الوقعة في المحرم من سنة خمس وستين. وفي رواية محمد بن سعد عن الواقدي وغيره قالوا: إنما كانت في أواخر هذه السنة. وقال الليث بن سعد والواقدي والمدائني وأبو سليمان بن يزيد وأبو عبيد وغير واحد: كانت وقعة مرج راهط للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين. واللَّه أعلم.