للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به إلى المختار فألقاه بين يديه، فقال له المختار: بشرك اللَّه بخير، فهذا طائر صالح. ثم طلب إبراهيم من المختار أن يخرج في هذه الليلة، فأمر المختار بالنار أن ترفع وأن يُنادى بشعار أصحابه: يا منصور أمت، يا لثارات الحسين. ثم نهض المختار فجعل يلبس درعه وسلاحه وهو يقول:

قد عَلِمَتْ بَيْضاءُ حسناءُ الطَّلَلْ … واضحَة الخَدَّين عَجْزاءُ الكَفَلْ

أني غَدَاة الرَّوْعِ مِقْدامٌ بطل (١)

وخرج بين يديه إبراهيم بن الأشتر فجعل يتقصد الأمراء الموكلين بنواحي البلد فيطردهم عن أماكنهم واحدًا واحدًا. وينادي بشعار المختار، وبعث المختار أبا عثمان النَّهدي فنادى بشعار المختار، يا لثارات الحسين. فاجتمع الناس إليه من هاهنا وهاهنا، وجاء شَبَث بن ربعي فاقتتل هو والمختار عند داره وحصره حتى جاء ابن الأشتر فطرده عنه، فرجع شَبَث إلى ابن مطيع وأشار عليه بأن يجمع الأمراء إليه، وأن ينهض بنفسه، فإن أمر المختار قد قوي واستفحل، وجاءت الشيعة من كل فجٍّ عميق إلى المختار، فاجتمع إليه في أثناء اللّيل قريب من أربعة آلاف، فأصبح وقد عبّأ جيشه وصلّى بهم الصبح، فقرأ فيها: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ و ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ في الثانية. قال بعض من سمعه: فما سمعت إمامًا أفصح لهجة منه (٢). وقد جهّز ابن مطيع جيشه ثلاثة آلاف عليهم شَبَثَ بن ربعي، وأربعة آلاف أخرى مع راشد بن إياس بن مضارب، فوجّه المختار ابنَ الأشتر في ستمئة فارس وستمئة راجل [إلى راشد بن إياس، وبعث نعيم بن هبيرة في ثلاثمئة فارس وستمئة راجل] (٣) إلى شَبَث بن ربعي، فأما ابن الأشتر فإنه هزم جيش قرنه راشد بن إياس وقتله، وأرسل إلى المختار يبشره، وأما نعيم بن هبيرة فإنه لقي شَبَث بن ربعي فهزمه شَبَثَ وقتله، وجاء فأحاط بالمختار وحصره. وأقبل إبراهيم بن الأشتر نحوه فاعترض له حسان بن فائد بن العبسي في نحو من ألفي فارس من جهة ابن مطيع، فاقتتلوا ساعة. فهزمه إبراهيم، ثم أقبل [نحو المختار] فوجد شبث بن ربعي قد حصر المختار وجيشه، فما زال حتى طاردهم فكرّوا راجعين، وخلص إبراهيم إلى المختار، وارتحلوا من مكانهم ذلك إلى غيره في ظاهر الكوفة، فقال له إبراهيم بن الأشتر: اعمد بنا إلى قصر الإمارة فليس دونه أحد [يرد عنه] فوضعوا ما معهم من الأثقال، وأجلسوا هنالك ضعفة المشايخ والرجال، واستخلف على من هنالك أبا عثمان النهدي، وبعث بين يديه ابن الأشتر، وعبأ المختار جيشه كما كان، وسار نحو القصر، فبعث ابن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفي رجل، فبعث إليه المختار يزيد بن أنس وسار هو وابن الأشتر أمامه حتى دخل الكوفة من باب الكناسة، وأرسل ابن مطيع شمر بن ذي الجوشن الذي قتل الحسين في ألفين آخرين، فبعث إليه المختار سعد بن


(١) الأبيات في الطبري (٦/ ٢٠) والمنتظم لابن الجوزي (٦/ ٥٣) والفتوح لابن الأعثم (٢/ ٢٨٢) مع زيادة شطر في البيت الثاني: لا عاجز فيها ولا وغد فشل.
(٢) الخبر في تاريخ الطبري (٦/ ٢٣).
(٣) ما بين معكوفين ساقط من أ وحدها.