للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شطر اللّيل، ويرتل القرآن حرفًا حرفًا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ (١): ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ [ق: ١٩].

وقال الأصمعي: عن المعتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم [عن أبي رجاء] (٢) قال: كان في هذا المكان -وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه يعني خدي ابن عباس- مثل الشراك البالي من البكاء (٣).

وقال غيره: كان يصوم يوم الإثنين والخميس، وقال: أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم (٤).

وروى هُشيم (٥) وغيره عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن ملك الروم كتب إلى معاوية يسأله عن أحبِّ الكلام إلى اللَّه ﷿. ومنْ أكرم العباد على اللَّه ﷿، ومن أكرم الإماء على اللَّه ﷿. وعن أربعة فيهم الروح فلم يركضوا في رحم، وعن قبر سار بصاحبه، وعن مكانٍ في الأرض لم تطلع فيه الشمس إلا مرة واحدة، وعن قوس قزح ما هو؟ وعن المجرة. فبعث معاوية فسأل ابن عباس عنهن فكتب ابن عباس إليه: أما أحب الكلام إلى اللَّه فسبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، وأكرم العباد على اللَّه آدم، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء. وأكرم الإماء على اللَّه مريم بنت عمران، وأما الأربعة الذين لم يركضوا في رحم، فآدم وحواء وعصا موسى وكبش إبراهيم الذي فدى به إسماعيل. وفي رواية: وناقة صالح، وأما القبر الذي سار بصاحبه فهو حوت يونس، وأما المكان الذي لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة فهو البحر لما انفلق لموسى حتى جاز بنو إسرائيل فيه، وأما قوس قزح فأمان لأهل الأرض من الغرق، والمجرة باب في السماء، وفي رواية الذي ينشق منه. فلما قرأ ملك الروم ذلك أعجبه وقال: واللَّه ما هي من عند معاوية ولا من قوله، وإنما هي من عند أهل النبي ، وقد ورد في هذه الأسئلة روايات كثيرة فيها وفي بعضها نظر (٦).

منها: أنه سأله عمن لا قبل له، وعمَّن لا عشيرة له، وعمَّن لا أب له، وعن شيءٍ، ونصف شيءٍ ولا شيء؟

وأرسل قارورة؛ فقال: ابعث إليّ في هذه ببزر كلّ شيء.

فكتب إليه يقول: أما الذي لا قبل له؛ فاللَّه ﷿، وأما من لا عشيرة له؛ فآدم ،


(١) حلية الأولياء (١/ ٤٠٣) وذكره الذهبي في السير (٣/ ٣٤٢) والنشيج: أحرّ البكاء، وهو مثل البكاء للصّبي إذا ردد صوته في صدره ولم يخرجه، القاموس (نشج).
(٢) ما بينهما ساقط من الأصل.
(٣) سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٥٢).
(٤) المصدر نفسه.
(٥) في ط: "هاشم"، محرف، وهو هشيم بن بثير، من رجال التهذيب.
(٦) مختصر تاريخ دمشق (١٢/ ٣١٥ - ٣١٦).