للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الحفرة، إلى موضعها الذي كانت فيه، فالتمسَه فلم يجدْه، وقد كان بدا لقومه فيه بِدَاءً، فاستخرجُوه وآمنوا به وصدَّقوه. قال: فكان نبيُّهم يسألُهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون له: ما ندري حتّى قبضَ الله النبيَّ ، وأهبَّ الأسودُ من نومه بعد ذلك. فقال رسول الله : "إنَّ ذلك الأسود لأوَّل من يدخل الجنَّة" (١)، فإنَّه حديثٌ مرسلٌ، ومثله فيه نظر. ولعل بَسْطَ قِصَّته من كلام محمد بن كعب القرظي، والله أعلم.

ثم قد ردَّه ابن جرير (٢) نفسه، وقال: لا يجوز أن يُحملَ هؤلاء على أنهم أصحابُ الرسِّ المذكورون في القرآن. قال: لأن الله أخبرَ عن أصحاب الرَّسِّ أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيِّهم، اللَّهُمَّ إلا أن يكونَ حدثت لهم أحداثٌ آمنوا بالنبيِّ بعد هلاك آبائهم، والله أعلم.

ثم اختارَ أنَّهم أصحابُ الأخدود (٣)، وهو ضعيفٌ لما تقدم، ولما ذُكرَ في قصَّة أصحاب الأخدود حيث تُوعِّدوا بالعذاب في الآخرة إن لم يتوبوا، ولم يذكرْ هلاكَهم، وقد صرَّح بهلاك أصحاب الرَّسِّ، والله أعلم.

* * *

ومنهم أصحابُ القرية أصحاب يس

قال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ١٣ - ٢٩].


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي (٩/ ٣٩٠ - ٣٩١) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٢) انظر تفسير الطبري (٩/ ٣٩١).
(٣) المصدر السابق (٩/ ٣٩١).