للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضهم: أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم، قال: لا تكلمن فيما لا يعنيك حتي ترى له موضعًا، ولا تمارين سفيهًا ولا حليمًا فإن الحليم يغلبك والسفيه يزدريك، ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام. فقال رجل عنده: يا بن عباس! هذا خير من عشرة آلاف. فقال ابن عباس: كلمة منه خير من عشرة آلاف.

وقال ابن عباس: تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره -يعني أن تعجل. العطية للمعطى، وأن تُصغَر في عين المعطي- وأن تسترها عن الناس فلا تُظهرها! [فإن في إظهارها فتح باب الرياء وكسر قلب المعطى، واستحياءه من الناس] (١).

وقال ابن عباس: أعز الناس عليَّ جليس لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت.

وقال أيضًا: لا يكافئ من أتاني يطلب حاس جة فرآني لها موضعًا إلا اللَّه ﷿، وكذا رجل بدأني بالسلام أو أوشع لي في مجلس أو قام لي عن المجلس، أو رجل سقاني شربة ماء على ظمأ، ورجل حفظني بظهر الغيب. والمأثور عنه من هذه المكارم كثير جدًا، وفيما ذكرنا إشارة إلى ما لم نذكره.

وقد عدّه الهيثم بن عدي في العميان من الأشراف، وفي بعض الأحاديث الواردة عنه ما يدل على ذلك.

وقال بعضهم: أصيبت إحدى عينيه فنحل جسمه، فلما أصيبت الأخرى عاد إليه لحمه، فقيل له في ذلك، فقال: أصابني ما رأيتم في الأولى شفقة على الأخرى، فلما ذهبتا اطمأن قلبي (٢).

وقال أبو القاسم البغوي: حدّثنا علي بن الجعد، حدّثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه وقع في عينيه الماء فقيل له: نفرغ من عينيك الماء على أن لا تصلي سبعة أيام. فقال: لا! إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي اللَّه وهو عليه غضبان.

وفي رواية أنه قيل له: نزيل هذا الماء من عينيك على أن تبقى خمسة أيام لا تصلي إلا على عود، وفي رواية إلا مستلقيًا، فقال: لا واللَّه ولا ركعة واحدة، إنه من ترك صلاة واحدة متعمدًا لقي اللَّه وهو عليه غضبان. وقد أنشد المدائني لابن عباس حين عمي:

إن يأخذ اللَّه مِنْ عينيَّ نورهما … ففي لساني وسمعي منهما نورُ

قلبي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي دخلٍ … وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثور (٣)


(١) ما بين معكوفين زيادة من ط. والخبر في مختصر تاريخ دمشق (١٢/ ٣٢٧).
(٢) مختصر تاريخ دمشق (١٢/ ٣٢٧).
(٣) الأبيات في الاستيعاب (٢/ ٣٥٦) وسير أعلام النبلاء (٣/ ٣٥٧)، وفي أ: مأبور؛ وما أثبت كالمصادر.