للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مروان عن بكرة أبيهم مجتمعون عند عبد الملك، فأحس بالشرِّ فالتفت إلى ذلك الوصيف فقال له همسًا: ويلك انطلق إلى أخي يحيى فقل له فليأتني، فلم يفهم عنه وقال له: لبيك، فأعاد عليه ذلك فلم يفهم أيضًا وقال: لبيك، فقال: ويلك اغرب عني في حرق اللَّه وناره، وكان عند عبد الملك حسان بن مالك بن بَحْدل، وقبيصة بن ذؤيب، فأذن لهما عبد الملك في الانصراف، فلما خرجا غلقت الأبواب واقترب عمرو من عبد الملك فرحَّب به وأجلسه معه على السرير، ثم جعل يحدثه طويلًا، ثم إن عبد الملك قال: يا غلام خذ السيف عنه، فقال عمرو: إنا للَّه يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: أو تطمع أن تتحدث معي متقلدًا سيفك؟ فأخذ الغلام السيف عنه، ثم تحدَّثا ساعة، ثم قال له عبد الملك: يا أبا أمية، قال:: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إنك حيث خلعتني آليت بيميني إن ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة (١)، فقالت بنو مروان: ثم تطلقه يا أمير المؤمنين، فقال ثم أطلقه، وما عسيت أن أفعل بأبي أمية، فقال بنو مروان: بر يمين أمير المؤمنين، فقال: فأبرَّ قسمك يا أمير المؤمنين، فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه ثم قال: يا غلام قم فاجمعه فيها، فقام الغلام فجمعه فيها، فقال عمرو: أذكرك اللَّه يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس، فقال عبد الملك: أمكرًا يا أبا أميَّة عند الموت؟ لاها اللَّه إذًا! ما كنّا لنُخرجك في جامعة على رؤوس الناس ولمّا نُخرجها منك إلا صُعدًا، ثم اجتذبه اجتذابة أصاب فمه السريرُ فكسر ثنيَّته، فقال عمرو: أذكرك اللَّه يا أمير المؤمنين أن يدعوك كسر عظمي إلى ما هو أعظم من ذلك، فقال عبد الملك: واللَّه لو أعلم أنك إذا بقيت تفي لي، وتصلح قريش لأطلقتُكَ، ولكن ما اجتمع رجلان في بلد قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه، وفي رواية أنه قال له: أما علمت يا عمرو أنه لا يجتمع فحلان في شَرَكٍ (٢)؟ فلما تحقق عمرو ما يريد من قتله قال له: أغدرًا يا بن الزرقاء؟ [وأسمعه كلامًا رديئًا بشعًا] (٣) وبينما هما كذلك إذ أذن المؤذن للعصر، فقام عبد الملك ليخرج إلى الصلاة. وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان بقتله، وخرج عبد الملك وقام إليه عبد العزيز بالسيف فقال له عمرو: أذكرك اللَّه والرحم أن لا تلي ذلك مني، وليتولّ ذلك غيرك، فكف عنه عبد العزيز. ولما رأى الناس عبد الملك قد خرج وليس معه عمرو أرجف الناس بعمرو، فأقبل أخوه يحيى بن سعيد في ألف عبدٍ لعمرو بن سعيد وأناس معهم كثير، وأسرع عبد الملك الدخول إلى الخضراء (٤)، وجاء أولئك فجعلوا يدقون باب الإمارة ويقولون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، وضرب رجل منهم الوليد بن عبد الملك في رأسه بالسيف فجرحه، فأدخله إبراهيم بن عدي (٥) صاحب


(١) الجامعة: الغُلُّ يجمع اليدين إلى العنق - القاموس (جمع).
(٢) الشَّرَك: حبالة الصيد. القاموس (شرك).
(٣) زيادة من ط.
(٤) في ط: دار الإمارة.
(٥) كذا في الأصول، وفي الطبري (٦/ ١٤٤) وابن الأثير (٤/ ٣٠٠): إبراهيم بن عربي صاحب الديوان فاحتمله وأدخله بيت القراطيس.