للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكانت عطاياه للقوي والضعيف، والوضيع والشريف متقاربة، وكان أخوه عبد اللَّه يُبخَّل] (١).

وروى الخطيب البغدادي في "تاريخه" (٢) أن مصعبًا غضب مرة على رجل فأمر بضرب عنقه، فقال له الرجل: أعزّ اللَّه الأمير! ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فيتعلق بأطرافك الحسنة، وبوجهك هذا الذي يُستضاء به، فأقول: يا رب سل مصعبًا فيم قتلني. فعفا عنه، فقال الرجل: أعزّ اللَّه الأمير إن رأيت ما وهبت لي من حياتي في عيش رخي (٣)، فأطلق له مئة ألف، فقال الرجل إني أشهدك أن نصفها لابن قيس الرقيّات حيث يقول فيك: [من الخفيف]

إنما مصعب (٤) شهابٌ مِنَ اللَّه … تجلتْ عن وجههِ الظلماءُ

ملكه ملكُ عزةٍ (٥) ليسَ فيها … جبروتٌ منه ولا كبرياءُ

يتَّقي اللَّهَ في الأمور وقد أفلـ … ــــح من كانَ همهُ الاتقاءُ

[وفي رواية أنه قال له: أيها الأمير قد وهبتني حياة، فإن استطعت أن تجعل ما قد وهبتني من الحياة في عيش رضمي وسعة فافعل، فأمر له بمئة ألف] (٦).

وقال الإمام أحمد (٧): حدّثنا مؤمل، حدثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا علي بن زيد قال: بلغ مصعبًا، عن عريف الأنصارِ شيء فهمّ به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له: سمعت رسول اللَّه يقول: "استوصوا بالأنصار خيرًا -أو قال معروفًا- اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم". فألقى مصعب نفسه عن سريره وألزق خده بالبساط وقال: أمر رسول اللَّه على الرأس والعين. فتركه.

ومن كلام مصعب في التواضع أنه قال: العجب من ابن آدم كيف يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين.

وقال محمد بن يزيد المبرّد (٨): سئل القاسم بن محمد عن مصعب فقال: كان نبيلًا رئيسًا تقيًا أنيسًا.

وقد تقدم أنه لما ظهر على المختار قتل من أصحابه في غداة واحدة خمسة آلاف، وقيل سبعة آلاف، فلما كان بعد ذلك لقي ابن عمر فسلم عليه فلم يعرفه ابن عمر، لأنه كان قد حصل له من الضرر -أي


(١) ما بين معكوفين زيادة من ط، وفي المصادر قريب منها.
(٢) تاريخ بغداد (١٣/ ١٠٦) والخبر أيضًا في تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٨/ ٢٢٤).
(٣) في ط: رضي.
(٤) في ط: إن مصعبًا، وما أثبت موافق للكامل للمبرد (٢/ ٢٦٩) ت: أبو الفضل إبراهيم.
(٥) في ط: رحمة، وفي الكامل للمبرد: قوة.
(٦) ما بين معكوفين زيادة من ط.
(٧) مسند الإمام أحمد (٣/ ٢٤١) المرفوع منه صحيح، والقصة ضعيفة.
(٨) الكامل في الأدب للمبرد (١/ ١٦٦) ت: أبو الفضل إبراهيم.