للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان زياد بن أبيه يقول: قد بلغ الأحنف من السؤدد والشرف ما لا ينفعه معه ولاية، ولا يضره عزل، وإنه ليفر من الشر وهو يتبعه (١).

وقال الحاكم (٢): وهو الذي افتتح مرو الروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه [وهو الذي افتتح سمرقند وغيرها من البلاد] (٣).

وقيل: إنه مات سنة سبع وستين، وقيل غير ذلك، عن سبعين سنة. وقيل عن أكثر من ذلك.

ومن كلامه وقد سئل عن الحلم ما هو؟ فقال: الذل مع الصبر. وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول: واللَّه إني لأجد ما يجدون، ولكني صبور.

وقال أيضًا: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد.

وقال: أحي معروفك بإماتة ذكره، وقال: عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ وقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أُدعى، ولا دخلت بين اثنين إلا أن يدخلاني بينهما (٤)، وقيل له: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من الأمر ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وأغلظ له رجل في الكلام وقال: واللَّه يا أحنف لئن قلت لي واحدة لتسمعن بدلها عشرًا، فقال له: إنك إن قلت لي عشرًا لا تسمع مني واحدة.

وكان يقول في دعائه: اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك.

وقد كان زياد بن أبيه يقَرِّبُه ويدنيه، فلما مات زياد ووليَ ابنه عبيد اللَّه لم يرفع به رأسه، فتأخرت عنده منزلته لقبح منظره، وصار يقدم عليه من هو دونه (٥) فلما وفد برؤساء أهل العراق على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه، فلما رآه معاوية أجلَّه وعظمه [وأدناه وأكرمه] وأجلسه معه على الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على ابن زياد والأحنف ساكت، فقال له معاوية: ما لك لا تتكلم؟ قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم: انظروا لكم نائبًا، وأجلهم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافًا كثيرًا، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد اللَّه، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم، فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك الكلام، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت، فقال له معاوية: تكلم، فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحدًا من أهل


(١) من قوله: وكان الأحنف لا يحتد. . . إلى هنا ساقط من ط.
(٢) الأسامي والكنى - خ دار الكتب المصرية (ج ١ ق ٨٤ أ) وانظر سير أعلام النبلاء (٤/ ٨٧).
(٣) ما بين معكوفين زيادة من ط، والخبر في تاريخ الإسلام.
(٤) كلام ابن الأحنف هذا في الكامل للمبرد (١/ ٧٥).
(٥) من قوله: لقبح منظره. . . إلى هنا ساقط من ط.