للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ما وليت قريش وعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت خيرًا فأنجزت، فأنا والنبيون فُرَّاط القاصفين" (١).

وقال محمد بن مروان صاحب كتاب "المجالسة" (٢): أخبرني حبيب بن نَصْر (٣) الأزدي حدَّثنا محمد بن دينار الضبي، حدَّثنا هشام بن سليمان المخزومي، عن أبيه قال: أذن معاوية للناس يومًا فدخلوا عليه فاحتفل المجلس وهو على سريره، فأجال بصره فيهم فقال: أنشدوني لقدماء العرب ثلاثة أبيات جامعة من أجمع ما قالته، ثم قال: يا أبا خبيب فقال: مهيم، قال أنشدني ذلك، فقال: نعم يا أمير المؤمنين بثلاثمئة ألف، قال: نعم إن ساوت، قال أنت بالخيار، وأنت وافٍ كافٍ، قال: نعم فأنشده للأفوه الأزدي:

بلوتُ النَّاسَ قرنًا بعدَ قرنٍ … فلمْ أرَ غيرَ ختَّالٍ وقالِ

فقال معاوية: صدق.

ولم أرَ في الخطوبِ أشدَّ وقعًا … وكيدًا من معاداةِ الرجالِ

فقال معاوية: صدق.

وذقتُ مَرارةَ الأشياءِ طُرًّا … فما شيءٌ أمرُّ منَ السؤالِ

فقال: صدق.

ثم قال معاوية: هيه يا أبا خبيب، قال: إلى هاهنا انتهى، قال: فدعا معاوية بثلاثين عبدًا على عنق كل واحد منهم بدرة، وهي عشرة آلاف درهم، فمروا بين يدي ابن الزبير حتى انتهوا إلى داره.

وروى ابن أبي الدنيا عن أبي زيد النميري، عن أبي عاصم النبيل، عن جويرية بن أسماء: أن معاوية لما حج وتلقاه الناس وتخلف ابن الزبير ثم جاءه وقد حلق رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين ما أكثر جحرة رأسك!! فقال له: اتق أن لا يخرج عليك منها حية فتقتلك، فلما أفاض معاوية وطاف معه ابن الزبير وهو آخذ بيده ثم استدعاه إلى داره ومنازله بقعيقعان، فذهب معه إليها، فلما خرجا قال: يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون جاء معه أمير المؤمنين إلى دوره ومنازله ففعل معه ماذا، لا واللَّه لا أدعك حتى تعطيني مئة ألف، فأعطاه، فجاء مروان فقال: واللَّه يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلك، جاءك رجل قد سمى بيت مال


(١) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٨/ ٣٦٥) رقم (٩٣٣) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٢٥) وقال: رواه الطبراني، وفيه راوٍ لم أعرفه، ورجال مختلف فيهم. ومعنى القاصفين: المزدحمين.
(٢) الخبر في تاريخ دمشق (٢٨/ ١٩٨ - ١٩٩).
(٣) في ط: "خبيب بن نصير"، وهو تحريف.