للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدم البصرة وشهد غزو فارس، وورد المدائن مرارًا وكان عمره يوم مات النبي ثنتين وعشرين سنة، وكان إذا أعجبه شيء من ماله تقرب به إلى اللَّه ﷿، وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه، فيقال له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا للَّه انخدعنا له (١).

وكان له جارية يحبها كثيرًا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع، وقال: إن اللَّه تعالى يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] (٢).

وكان له نجيب اشتراه بمال فأعجبه لما ركبه فقال: يا نافع أدخله في إبل الصدقة (٣).

وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف دينار، فقيل له: ما تنتظر ببيعه؟ فقال: ما هو خير من ذلك؟ هو حر لوجه اللَّه.

واشترى مرة غلامًا بأربعين ألفًا وأعتقه فقال الغلام: [يا مولاي قد أعتقتني، فهبْ لي شيئًا أعيش به. فأعطاه أربعين ألفًا.

واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلّي، فقاموا خلفه يصلّون فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: للَّه! فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم.

والمقصود أنه] (٤) ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق فى المجلس الواحد بثلاثين ألفًا، وكانت تمضي عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحمًا إلا وعلى يديه يتيم.

وبعث إليه معاوية بمئة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء.

وكان يقول: إني لا أسأل أحدًا شيئًا، وما رزقني اللَّه فلا أرده.

وكان في مدة الفتنة لا يأتي أمير إلا صلّى خلفه، وأدّى إليه زكاة ماله، وكان أعلم الناس بمناسك الحج، كان يتتبع آثار رسول اللَّه ويصلّي فيها، حتى إن النبي نزل تحت شجرة وكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء (٥).

وكان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك اللّيلة، وكان يقوم أكثر اللّيل، وقيل إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه، وكان يوم مات خيرَ مَنْ بقي، ومكث ستين سنة يفتي الناس من سائر البلاد.


(١) تاريخ دمشق (٣١/ ١٣٢ - ١٣٣).
(٢) تاريخ دمشق (٣١/ ١٣٧) وحلية الأولياء (١/ ٢٩٥) وسير أعلام النبلاء (٣/ ٢١٧).
(٣) تاريخ دمشق (٣١/ ١٣٣).
(٤) ما بين معكوفين زيادة من ط، والخبر في تاريخ دمشق (٣١/ ١٢٥).
(٥) تاريخ دمشق (٣١/ ١٢١).