للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توفي وعمره مئة وثلاثين سنة بالكوفة.

صلة بن أشيم العدوي (١)، من كبار التابعين من أهل البصرة، وكان ذا فضل وورع وعبادة وزهد، كنيته أبو الصهباء، كان يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي الفراش إلا حبوًا، وله مناقب كثيرة جدًّا، منها أنه كان يمر عليه شباب يلهون ويلعبون فيقول: أخبروني عن قوم أرادوا سفرًا فحادوا في النهار عن الطريق وناموا اللّيل فمتى يقطعون سفرهم؟ فقال لهم يومًا هذه المقالة، فقال شاب منهم: والله يا قوم إنه ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام. ثم تبع صلة فلم يزل يتعبد معه حتى مات.

ومر عليه فتى يجر ثوبه فهمّ أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال: دعوني أكفكم أمره، ثم دعاه فقال: يا بن أخي لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قال أن ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا أمثل مما أردتم لو شتمتموه لشتمكم.

ومنها ما حكاه جعفر بن زيد قال: خرجنا في غزاة وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فقلت لأرمقن عمله الليلة، فدخل غيضة ودخلت في أثره فقام يصلي وجاء الأسد حتى دنا منه وصعدت أنا في شجرة، قال: فتراه التفت أو عده جروًا حتى (٢) سجد فقلت: الآن يفترسه، فجلس ثم سلّم فقال: أيها السبع إن كنت أُمرت بشيء فافعل وإلا فاطلب الرزق من مكان آخر، فولى الأسد وإن له لزئيرًا تصدع منه الجبال، فلما كان عند الصباح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة. ثم رجع إلى الجيش فأصبح كأنه بات على الحشا، وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.

قال: وذهبت بغلته بثقلها فقال: اللهم إني أسألك أن ترد عليّ بغلتي بثقلها، فجاءت حتى قامت بين يديه، قال: فلما التقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعنا بهم طعنًا وضربًا، فقال العدو: رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا كلهم؟ أعطوا المسلمين حاجتهم - يعني انزلوا على حكمهم -.

وقال صلة: جعت مرة في غزاة جوعًا شديدًا فبينما أنا أسير أدعو ربي وأستطعمه، إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفتُّ فإذا أنا بمنديل أبيض فإذا فيه دوخلة ملآنة رطبًا فأكلت منه حتى شبعت، وأدركني المساء فملت إلى دير راهب فحدثته الحديث، فاستطعمني من الرطب فأطعمته، ثم إني مررت على ذلك الراهب بعد زمان فإذا نخلات حسان فقال: إنهن لمن الرطبات التي أطعمتني، وجاء بذلك المنديل إلى امرأته فكانت تريه للناس، ولما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيت العروس بيتًا


(١) ترجمة - صلة بن أشيم العدوي - في طبقات ابن سعد (٧/ ١٣٤) وتاريخ خليفة (٢٣٦) وتاريخ الطبري (٥/ ٤٧٢) وحلية الأولياء (٢/ ٢٣٧) وأسد الغابة (٤/ ٣٤) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١ - ٨٠/ ص ١٢٧) وسير أعلام النبلاء (٣/ ٤٩٧) والوافي بالوفيات (١٦/ ٣٣٠) والإصابة (٢/ ٢٠٠).
(٢) في تاريخ الإسلام: أقراه التفت إليه أو اعتدّ به حتى سجد.