للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرذمة (١) من الناس من الشجعان وأهل الحفائظ، فما زال يقاتل بهم الترك حتى فني أكثر المسلمين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قالوا وجعل شُرَيح بن هانئ يرتجز يومئذٍ، ويقول:

أصبحتُ ذا بثٍّ أقاسي الكِبَرَا … قدْ عِشتُ بينَ المشرِكينَ أعصُرا

ثمَّ (٢) أدركتُ النبيَّ المنْذِرا … وَبعدَهُ صِدّيقَهُ وعُمَرَا

ويومَ مهرانَ ويومَ تُسْتُرا … والجْمعَ في صِفّينِهِمْ والنَّهَرا (٣)

هَيْهات ما أطولَ هذا عُمُرا

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ورضي الله عنه، وقُتل معه خلق من أصحابه، ثم خرج من خرج من الناس صحبة عبيد الله بن أبي بكرة من أرض رُتبيل، وهم قليل، وبلغ ذلك الحجاج فأخذ ما تقدم وما تأخر، وكتب إلى عبد الملك يعلمه بذلك ويستشيره في بعث جيش كثيف إلى بلاد رتبيل لينتقموا منه بسبب ما حلَّ بالمسلمين في بلاده، فحين وصل البريد إلى عبد الملك كتب إلى الحجاج بالموافقة على ما رأى من المصلحة في ذلك، [وأن يعجل ذلك سريعًا، فحين وصل البريد إلى الحجاج بذلك أخذ في جمع الجيوش، فجهز جيشًا كثيفًا لذلك على ما سيأتي تفصيله في السنة الآتية بعدها. [وقيل: إنه قتل من المسلمين مع شريح بن هانئ ثلاثون ألفًا وابتيع الرغيف مع المسلمين بدينار وقاسوا شدائد، ومات بسبب الجوع منهم خلق كثير أيضًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد قتل المسلمون من الترك خلقًا كثيرًا أيضًا قتلوا أضعافهم] (٤).

ويقال إنه في هذه السنة استعفى شريح من القضاء فأعفاه الحجاج من ذلك، وولى مكانه أبا بردة بن أبي موسى الأشعري (٥)، [وقد تقدمت ترجمة شريح عند وفاته في السنة الماضية، والله أعلم].

قال الواقدي وأبو معشر وغير واحد من أهل السير: وحجَّ بالناس في هذه السنة أبان بن عثمان أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

وفي هذه السنة قتل قَطَري بن الفُجاءة التميمي أبو نعامة الخارجي (٦)، وكان من الشجعان المشاهير أيضًا، ويقال إنه مكث عشرين سنة يسلم عليه أصحابه من الخوارج بالخلافة، وقد جرت له خطوب وحروب مع جيش المهلب بن أبي صفرة من جهة الحجاج وغيره، وقد قدمنا منها طرفًا صالحًا في أماكنه،


(١) في الطبري وابن الأثير: فاتبعه ناس من المقطوعة غير كثير وفرسان الناس وأهل الحفاظ.
(٢) في ابن الأثير: ثمة أدركنا.
(٣) بعده في الطبري وابن الأثير:
"ويا جميرات مع المشقّرا"، وليس المصراع في ابن الأعثم.
(٤) ما بين معكوفين: زيادة من ط.
(٥) الخبر في تاريخ الطبري (٦/ ٣٢٤) وابن الأثير (٤/ ٤٥٢).
(٦) تاريخ الطبري (٦/ ٣١٨) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١ - ٨٠/ ص ٣٣٦).