للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويستعجله في بعثه الجنود إليه، وجاء الحجاج حتى نزل البصرة، وبلغ المهلب خبر ابن الأشعث، وكتب إليه يدعوه إلى ذلك فأبى عليه، وبعث بكتابه إلى الحجاج، وكتب المهلب إلى ابن الأشعث يقول له: إنك يا بن الأشعث قد وضعت رجلك في ركاب طويل، أبْقِ على أمة محمد ، انظر لنفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت أخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه من الناس، فلا تعرضها لله في سفك الدماء، أو استحلال محرم، والسلام عليك (١).

وكتب المهلب إلى الحجاج: أما بعد فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك مثل السيل المنحدر ليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شدة (٢) في أول مخرجهم، وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يصلوا إلى أهليهم، وينبسطوا إلى نسائهم، ويشمُّوا أولادهم. ثم واقعهم عندها فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله. فلما قرأ الحجاج كتابه قال: فعل الله به وفعل، لا والله ما لي نظر ولكن لابن عمه نصح.

ولما وصل البريد بكتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله ذلك ثم نزل عن سريره وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية فأقرأه كتاب الحجاج فقال: يا أمير المؤمنين إن كان هذا الحدث من قِبَل خراسان فخفه، وإن كان من قبل سجستان فلا تخفه، ثم أخذ عبد الملك في تجهيز الجنود من الشام إلى العراق في نصرة الحجاج. وتجهيزه للخروج إلى ابن الأشعث، وعصى رأي المهلب فيما أشار به عليه، وكان في شوره النصح والصدق، وجعلت كتبه لا تنقطع عن عبد الملك بخبر ابن الأشعث صباحًا ومساء، أين نزل ومن أين ارتحل، وأي الناس إليه أسرع. وجعل الناس يلتفون على ابن الأشعث من كل جانب، حتى يقال إنه سار معه ثلاثة وثلاثون ألف فارس ومئة وعشرون ألف راجل، وخرج الحجاج في جنود الشام من البصرة نحو ابن الأشعث، فنزل تستر وقدَّم بين يديه مطهر بن حيي الكعبي (٣) أميًا على المقدمة، ومعه عبد الله بن رميث أميرًا آخر، فانتهو إلى دجيل فإذا مقدمة ابن الأشعث في ثلاثمئة فارس عليها عبد الله بن أبان الحارثيّ، فالتقوا في يوم الأضحى عند نهر دجيل، فهُزمت مقدمة الحجاج وقَتَل أصحاب ابن الأشعث منهم خلقًا كثيرًا نحو ألف وخمسمئة، واحتازوا ما في معسكرهم [من خيول وقماش وأموال].

وجاء الخبر إلى الحجاج بهزيمة أصحابه [وأخذه مادب ودرج] وهو يخطب فقال: أيها الناس ارجعوا إلى البصرة فإنه أرفق بالجند، فرجع بالناس وتبعهم خيول ابن الأشعث لا يدركون منهم شاذًا إلا قتلوه، ولا فاذًّا إلا أهلكوه، ومضى الحجاج هاربًا لا يلوي على شيء حتى أتى الزاوية فعسكر عندها وجعل يقول: لله درّ المهلّب أي صاحب حرب هذا، قد أشار علينا بالرأي ولكنا لم نقبل، وأنفق الحجاج على جيشه وهو بهذا الموضع مئة وخمسين ألف ألف درهم، وخندق حول جيشه خندفًا، وجاء أهل


(١) نسخة الكتاب في الطبري (٦/ ٣٣٨) والفتوح لابن الأعثم (٧/ ١١٨) مع بعض الخلاف.
(٢) في الطبري: شِرَّةً.
(٣) في الطبري: مطهر بن حرّ العكي - أو الجذامي - وعبد الله بن رميثة الطائي، ومطهّر على الفريقين.