للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال حنبل بن إسحاق: حدّثنا أبو عبد الله الرَّقاشي، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا علي بن زيد قال: كنت في القصر مع الحجّاج وهو يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج: هي يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزّبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجّاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصَّمْغة، ولأجْردنك كما تجرَّد الضب. قال: يقول أنس: إياي يعني الأمير؟ قال إياك أعني، أصمّ الله سمعك، قال: فاسترجع أنس، وشُغل الحجّاج فخرج أنس فتبعناه إلى الرَّحبة، فقال: لولا أني ذكرت ولدي - وفي رواية: لولا أني ذكرت أولادي الصغار - وخفته عليهم بعدي لكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستخفني بعده أبدا (١).

وقد ذكر أبو بكر بن عيَّاش: أن أنسًا بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ويقول: واللّه لو أن اليهود والنصارى رأوا مَن خدم نبيهم لأكرموه، وأنا قد خدمت رسول الله عشر سنين.

وذكر أذية الحجاج له، فلما قرأ عبد الملك كتابه حصل عنده أمر عظيم، فكتب إليه يقول: ويلك لقد خشيت أن لا يصلح على يدك أحد. وذكر له كلامًا فيه غلظة ويقول فيه: إذا جاءك كتابي فقم إلى أنس واعتذر إليه. فلما جاء كتاب عبد الملك إلى الحجاج بالغلظة والشدة، همّ أن ينهض إليه فأشار عليه إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، الذي قدم بالكتاب أن لا يذهب إلى أنس، وأشار على أنس أن يبادر إلى الحجَّاج بالمصالحة [وكان إسماعيل صديق الحجاج] فجاء أنس فقام إليه الحجاج يتلقاه، وقال: إنما مثلي ومثلك: إياكِ أعني واسمعي يا جارة. أردت أن لا يبقى لأحد عليّ منطق.

وقال ابن قتيبة (٢): كتب عبد الملك إلى الحجاج - لما قال لأنس ما قال -: يا بن المُسْتَفْرمة بعجم الزبيب لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها إلى نار جهنم، قاتلك الله أخيفش العينين، أفيتل الرَّجلين، أسود العاجزين - ومعنى قوله المُسْتَفْرمة عجم الزبيب - أي تضيق فرجها عند الجماع به، ومعنى أركلك: أي: أرفسك برجلي، وسيأتي بسط ذلك في ترجمة الحجاج في سنة خمس وتسعين.

وقال أحمد بن صالح العِجْلي (٣): لم يبتل أحد من الصحابة إلا رجلين، معيقيب كان به الجذام، وأنس بن مالك كان به وَضح.

وقال الحميدي: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: رأيت أنسًا ياكل فرأيته يلقم لقمًا عظامًا، ورأيت به وضحًا شديدًا (٤).


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١/ ٢٤٧) رقم (٧٠٤) وفيه: لا يستعييني، وهو تحريف، والخبر أيضًا في تاريخ دمشق (٩/ ٣٧٢) وتهذيبه (٣/ ١٥١) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٢٩٤).
(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٣٩٦) والخبر في الأخبار الطوال (٣٢٤).
(٣) تاريخ الثقات للعجلي (١٦١٣) والخبر في تاريخ دمشق (٩/ ٣٧٥) وتهذيبه (٣/ ١٥٣).
(٤) تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٢٩٥).