للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنّه لما أضافه، وأكرم مثواه، وقصَّ عليه ما كان من أمره، بشَّره بأنّه قد نجا، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾، أي: لرعي غنمك، ثم مدحته بأنه قويٌّ أمينٌ.

قال عَمْرو (١) وابن عبَّاس، وشريح القاضي، وأبو مالك، وقتادة، ومحمد بن إسحاق، وغير واحد: لمّا قالت ذلك قال لها أبوها: وما علمك بهذا؟ فقالت: إنّه رفع صخرةً لا يطيق رفعها إلا عسْرة. وإنه لما جئت معه تقدمتُ أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلفت الطريق فاحذفي (٢) لي بحصاةٍ أعلم بها كيف الطريق.

قال ابن مسعود: أفرسُ النَّاس ثلاثة: صاحب يُوسف حين قال لامرأته ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: ٢١]. وصاحبة موسى حين قالت: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾. وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب (٣).

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾.

استدلّ بهذا جماعةٌ من أصحاب أبي حنيفة على صحّة ما إذا باعه أحد هذين العبدين أو الثوبين، ونحو ذلك أنّه يصحُّ لقوله: ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾. وفي هذا نظر؛ لأنّ هذه مُراوضةٌ لا معاقدةٌ. والله أعلم.

واستدلّ أصحابُ أحمد على صحّة الإيجار بالطعمة والكسوة كما جرت به العادة، واستأنسوا بالحديث الذي رواه ابن ماجه في "سننه" مترجمًا عليه كتابه (٤): باب استئجار الأجير على طعام بطنه.

حدثنا محمد بن مصفّى (٥) الحمصي، حدثنا بقيَّة بن الوليد، عن مَسْلَمة بن علي، عن سعيد بن أبي أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن عُلَي بن رباح قال: سمعت عتبة بن النُذَّر (٦) يقول: كُنَّا عند


= (٣/ ٣٨٥). والخبر ذكره الطبري في تفسيره (٢٠/ ٤٠)، وفيه: يثري.
(١) في أصولنا، وتفسيره: عمرو ابن عباس، وعمرو هو ابن ميمون. وقد أورد قوله الطبري في تفسيره: (٢٠/ ٤١)، مع بقية الأقوال.
(٢) الحذف: الرمي عن جانب.
(٣) هو في تفسير المؤلف (٣/ ٣٨٥).
(٤) في ب: مترجمًا عليه في باب استئجار .. وفي ط: … مترجمًا في كتابه …
(٥) في أصولنا: ابن الصفي وهو سهو، ومحمد بن مصفى بن بُهلول، الحمصي القرشي، قال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق، له أوهام، وكان يدلس (٢/ ٢٠٨).
(٦) في ط: ابن الدر وهو تحريف. وعتبة بن النُّدَّر، بضم النون، وتشديد الدال المهملة المفتوحة. صحابي شامي، توفي سنة (٨٤ هـ). مترجم في سير أعلام النبلاء (٣/ ٤١٧) ومصادر ترجمته ثمة.