للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنهم حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظمًا عند اليونان فجعلوه كنيسة مريحنا، وبنوا بدمشق كنائس كثيرة كيرها مستأنفة، واستمر النصارى على دينهم بدمشق وغيرها نحوًا من ثلاثمئة سنة، حتى بعث الله محمدًا ، فكان من شأنه صلوات الله وسلامه عليه ما تقدم بعضه في كتاب السيرة [من هذا الكتاب] وقد بعث إلى ملك الروم في زمانه - وهو قيصر ذلك الوقت - واسمه هرقل يدعوه إلى الله ﷿ وكان من مراجعته ومخاطبته إلى أبي سفيان صخر بن حرب ما تقدم - ثم بعث أمراءه الثلاثة، زيد بن حارثة مولاه، وجعفر بن أبي طالب، وابن رواحة، إلى البلقاء من تخوم الشام، فبعث الروم إليهم جيشًا كبيرًا فقتلوا هؤلاء الأمراء وجماعة ممن معهم من الجيش، فعزم النبي على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك، ثم رجع عام ذلك لشدة الحر، وضعف الحال، وضيقه على الناس. ثم لما توفى الله نبيه بعث الصدّيق الجيوش قبل الشام، وإلى العراق كما تقدم تفصيل ذلك في كتابنا هذا ولله الحمد، ففتح الله على المسلمين الشام بكمالها، ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها، وقد بسطنا القول في ذلك عند ذكر فتحها، فلما استقرت اليد الإسلامية عليها وأنزل الله رحمته فيها، وساق برّه إليها، وكتب أمير الحرب وهو أبو عبيدة إذ ذاك، وقيل خالد بن الوليد، لأهل دمشق كتاب أمان، أقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مريحنا، بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف، وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة، وكان على باب الجابية الصلح، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحًا ونصفه عنوة، فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجدًا - وكان قد صارت إليه إمرة الشام لعزل عمر خالدًا وتوليته أبا عبيدة -، وكان أول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة ثم الصحابة بعده في البقعة الشرقية منه، التي يقال لها محراب الصحابة. ولكن لم يكن الجدار مفتوقًا بمحراب محني، وإنما كانوا يصفون عند هذه البقعة المباركة، والظاهر أن الوليد هو الذي فتق المحاريب في الجدار القبلي. وقد كره كثير من السلف مثل هذه المحاريب، وجعلوه من الباع المحدثة، وكان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد، وهو باب المعبد الأعلى من جهة القبلة، مكان المحراب الكبير [الذي في المقصورة اليوم] فينصرف النصارى إلى جهة الغرب إلى كنيستهم، ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم، ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم، ولا يضربوا بناقوسهم، إجلالًا للصحابة ومهابة وخوفًا. وقد بنى معاوية في أيام ولايته على الشام دار الإمارة قبلي المسجد الذي كان للصحابة، وبني فيها قبة خضراء، فعرفت الدار بكمالها بها، فسكنها معاوية أربعين سنة كما قدمنا. ثم لم يزل الأمر على ما ذكرنا من سنة أربع عشرة، إلى سنة ست وثمانين في ذي القعدة منها، وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك في شوال منها، فعزم الوليد على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها؛ وجعل الجميع مسجدًا واحدًا، وذلك لأن بعض المسلمين كان يتأذى بسماع قراءة النصارى للإنجيل، ورفع أصواتهم في صلواتهم، فأحب أن يبعدهم عن المسلمين، وأن يضيف ذلك المكان إلى هذا فيكبر به