للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك، فإنه ورد دمشق سنة ثنتين وتسعين، وهو يبني فيه الوليد، فصلّى فيه أنس، ورأى الوليد وأنكر أنس على الوليد تأخير الصلاة إلى آخر وقتها كما قدّمنا ذلك في ترجمة أنس، عند ذكر وفاته سنة ثلاث وتسعين، وسيصلي فيه عيسى ابن مريم إذا نزل في آخر الزمان، وذلك زمن الدجال وعموم البلوى به، وانحصار الناس منه بدمشق، فينزل مسيح الهدى فيقتل مسيح الضلالة، ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر (١)، فيأتي وقد أقيمت الصلاة فيقول له إمام الناس: تقدم يا روح الله، فيقول: إنما أُقيمت لك، فيصلي عيسى تلك الصلاة خلف رجل من هذه الأمة، يقال إنه المهدي، فاللّه أعلم.

ثم يلتفت الناس على المسيح ويخرجون معه لقتال الدجال فيلحقه عند عقبة أَفيق، فيدركه بباب لد فيقتله بيده هنالك. وقد ذكرنا ذلك مبسوطًا عند قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] وفي الصحيح (٢) عن النبي : "والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، وإمامًا عادلًا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام".

والمقصود أن عيسى ينزل - والبلد محصن من الدجال ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق - وهي هذه المنارة المبنية في زماننا من أموال النصارى حيث أحرقوها فجددت من أموالهم - ثم يكون نزول عيسى حتفًا لهم [وهلاكًا ودمارًا] عليهم، ينزل بين ملَكين واضعًا يديه على مناكبهما، وعليه مهرودتان (٣)، وفي رواية ممصرتان يقطر رأسه ماء كأنما خرج من ديماس، وذلك وقت الفجر، فينزل على المنارة وقد أقيمت الصلاة، وهذا إنما يكون في المسجد الأعظم بدمشق، وهو هذا الجامع. وما وقع في صحيح مسلم من رواية النواس بن سمعان الكلابي: فينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، كأنه واللّه أعلم مروي بالمعنى بحسب ما فهمه الراوي، وإنما هو ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، وقد أُخبرت ولم أقف عليه إلى الآن أنه كذلك، في بعض ألفاظ هذا الحديث، في بعض المصنفات، واللّه المسؤول المأمول أن يوفقني فيوقفني على هذه اللفظة، وليس في البلد منارة تعرف بالشرقية سوى هذه، وهي بيضاء بنفسها، ولا يعرف في بلاد الشام منارة أحسن منها، ولا أبهى ولا أعلى منها، وللّه الحمد والمنة (٤).


(١) الحديث في صحيح مسلم رقم (٢٩٣٧) في الفتن وأشراط الساعة.
(٢) صحيح مسلم رقم (١٥٥) في الإيمان رواه بمعناه، وانظر مسند أحمد (٢/ ٤٣٧).
(٣) مهرودتان: وتروى مهروذتان، والوجهان مشهوران. وبالدال أكثر ومعناها: ثوبان مصبوغان بورس ثم بزعفران، وقيل هما شقتان والشقة نصف الملاءة. وممصَّرتان: الثياب التي فيها صفرة خفيفة.
(٤) في ط زيادة من النساخ هذا نصها: قلت: نزول عيسى على المنارة التي بالجامع الأموي غير مستنكر، وذلك أن البلاء بالدجال يكون قد عم فيحصر الناس داخل البلد، ويحصرهم الدجال بها، ولا يتخلف أحد عن دخول البلد إلا أن يكون متبعًا للدجال، أو مأسورًا معه، فإن دمشق في آخر الزمان تكون معقل المسلمين وحصنهم من الدجال، فإذا كان الأمر كذلك فمن يصلي خارج البلد والمسلمون كلهم داخل البلد، وعيسى إنما ينزل وقد أقيمت الصلاة، فيصلي مع المسلمين، ثم يأخذهم ويطلب الدجال ليقتله، وبعض العوام يقول: إن المراد بالمنارة الشرقية بدمشق، منارة مسجد بلاشو، خارج باب شرقي. وبعضهم يقول: المنارة التي على نفس باب شرقي؛ فالله أعلم =