للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجماعة من أهل الشام، وقد أنشد في ذلك جرير (١) وغيره من الشعراء قصائد، فلم ينتظم ذلك له حتى مات، وانعقدت البيعة إلى سليمان، فخافه قتيبة بن مسلم وعزم على أن لا يبايعه، فعزله سليمان وولَّى على إمرة العراق ثم خراسان يزيد بن المهلّب (٢)، فأعاده إلى إمرتها بعد عشر سنين، وأمره بمعاقبة آل الحجاج بن يوسف، وكان الحجاج هو الذي عزل يزيد عن خراسان. [ولسبع بقين من رمضان من هذه السنة عزل سليمان عن إمرة المدينة عثمان بن حيان وولَّى عليها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان أحد العلماء] (٣).

وقد كان قتيبة بن مسلم حين بلغه ولاية سليمان بن عبد الملك للخلافة كتب إليه كتابًا يعزِّيه في أخيه، ويهنئه بولايته، ويذكر فيه بلاءه وعناه وقتاله وهيبته في صدور الأعداء، وما فتح الله من البلاد والمدن والأقاليم الكبار على يديه، وأنه له على مثل ما كان للوليد من الطاعة والنصيحة، إن لم يعزله عن خراسان، ونال في هذا الكتاب من يزيد بن المهلَّب، ثم كتب كتابًا ثانيًا يذكر ما فعل من القتال والفتوحات وهيبته في صدور الملوك والأعاجم، ويذم يزيد بن المهلَّب أيضًا، ويقسم فيه لئن عزله وولى يزيد ليخلعن سليمان عن الخلافة، وكتب كتابًا ثالثًا فيه خلع سليمان عن الخلافة بالكلية، وبعث بها مع البريد (٤) وقال له: ادفع إليه الكتاب الأول، فإن قرأه ودفعه إلى يزيد بن المهلّب فادفع إليه الثاني، فإن قرأه ودفعه إلى يزيد بن المهلب فادفع إليه الثالث، فلما قرأ سليمان الكتاب الأول - واتفق حضور يزيد عند سليمان - دفعه إلى يزيد فقرأه، فناوله البريد الكتاب الثاني فقرأه ودفعه إلى يزيد، فناوله البريد الكتاب الثالث فقرأه، فإذا فيه التصريح بعزله وخلعه، فتغير وجهه، ثم ختمه وأمسكه بيده ولم يدفعه إلى يزيد، وأمر بإنزال البريد في دار الضيافة، فلما كان من اللّيل بعث إلى البريد فأحضره ودفع إليه ذهبًا وكتابًا فيه ولاية قتيبة على خراسان، وأرسل مع ذلك البريد بريدًا آخر من جهته ليقرره عليها، فلما وصلا بلاد خراسان (٥) بلغهما أن قتيبة قد خلع الخليفة، فدفع بريد سليمان الكتاب الذي معه إلى بريد قتيبة، ثم بلغهما مقتل قتيبة قبل أن يرجع بريد سليمان.


(١) يقول جرير:
إذا قيل أي الناس خير خليفة … أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
رأوه أحق الناس كلّهم بها … وما ظلموا، فبايعوا وسارعوا
والأبيات في ديوان جرير (٣٥٧) وتاريخ الطبري.
(٢) الخبر في الطبري (٦/ ٥٠٦) وابن الأثير (٥/ ١١) وفيهما: أن سليمان عزل يزيد بن أبي مسلم عن العراق، وأمّر عليه يزيد بن المهلّب، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج.
(٣) ما بين معكوفين زيادة من ط، والخبر في الطبري (٦/ ٥٠٥) وابن الأثير (٥/ ١١).
(٤) في الطبري وابن الأثير: مع رجل من باهلة.
(٥) في الطبري وابن الأثير: فلما كان بحلوان.