للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سورها، فأمر فعمل سلالم فصعدوا عليها، وقيل إنه أمر رجلًا فصعد على سورها، فلما رأى ما في داخلها لم يملك نفسه أن ألقاها في داخلها فكان آخر العهد به، ثم آخر فكذلك، ثم امتنع الناس من الصعود إليها، فلم يحط أحد منهم بما في داخلها علمًا، ثم ساروا عنها فقطعوها إلى بحيرة قريبة منها، فقيل: إن تلك الجرار المذكورة وجدها فيها، ووجد عليها رجلًا قائمًا، فقال له: ما أنت؟ قال: رجل من الجن وأبي محبوس في هذه البحيرة حبسه سليمان، فأنا أجيء إليه في كل سنة مرة أزوره. فقال له: هل رأيت أحدًا خارجًا من هذه المدينة أو داخلًا إليها؟ قال: لا، إلا أن رجلًا يأتي في كل سنة إلى هذه البحيرة يتعبد عليها أيامًا ثم يذهب فلا يعود إلى مثلها، والله أعلم ما هو. ثم رجع إلى إفريقية، والله أعلم بصحة ذلك، والعهدة على من ذكر ذلك أولًا] (١).

وقد استسقى موسى بن نصير بالناس في سنة ثلاث وتسعين حين أقحطوا بإفريفية، فأمرهم بصيام ثلاثة أيام قبل الاستسقاء، ثم خرج بالناس وميَّز أهل الذمة عن المسلمين، وفرق بين البهائم وأولادها، ثم أمر بارتفاع الضجيج والبكاء، وهو يدعو الله تعالى حتى انتصف النهار، ثم نزل فقيل له: ألا دعوت لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا موطن لا يذكر فيه إلا الله ﷿، فسقاهم الله ﷿ (٢).

وقد وفد موسى بن نصير على الوليد بن عبد الملك في آخر أيامه، فدخل دمشق في يوم جمعة والوليد على المنبر، وقد لبس موسى ثيابًا حسنة وهيئة حسنة، فدخل ومعه ثلاثون غلامًا [من أبناء الملوك الذين أسرهم] والأسبان (٣)، وقد ألبسهم تيجان الملوك مع ما معهم من الخدم والحشم والأُبَّهة العظيمة، فلما نظر إليهم الوليد وهو يخطب الناس على منبر جامع دمشق بهت إليهم لما رأى عليهم من الحرير والجواهر والزينة البالغة، وجاء موسى بن نصير فسلم على الوليد وهو على المنبر، وأمر أولئك فوقفوا عن يمين المنبر وشماله، فحمد الله الوليد وشكره على ما أيده به ووسَّع ملكه، ؤأطال الدعاء والتحميد والشكر حتى خرج وقت الجمعة، ثم نزل فصلى بالناس، ثم استدعى بموسى بن نصير فأحسن جائزته وأعطاه شيئًا كثيرًا (٤).

وكان موسى بن نصير قدم بمائدة سليمان بن داود ، التي كان يأكل عليها [وكانت من خليطين ذهب وفضة، وعليها ثلاثة أطواق لؤلؤ وجوهر لم ير مثله، وجدها في مدينة طليطلة من بلاد الأندلس مع أموال كثيرة.

وقيل إنه بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مئة ألف رأس، وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب من السبي مئة ألف رأس أيضًا من البربر، فلما جاء كتابه إلى الوليد وذكر فيه أن خمس الغنائم


(١) ما بين معكوفين زيادة من ط.
(٢) الخبر في وفيات الأعيان (٥/ ٣١٩ - ٣٢٠) وتاريخ دمشق (٦١/ ٢٢٢) وتاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء.
(٣) في تاريخ الإسلام: وقد ألبس ثلاثين رجلًا التيجان على كل واحد تاج الملك وثيابه.
(٤) تاريخ دمشق (٦١/ ٢٢٣).