للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عمر قد بعث على إمرة خراسان الجرَّاح بن عبد الله الحكمي عوضه، وقدم ولد يزيد بن المهلب، مَخْلَد بن يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله ﷿ قد منّ على هذه الأمة بولايتك عليها، فلا نكونن نحن أشقى الناس بك، فعلام تحبس هذا الشيخ وأنا أقوم بما تصالحني عنه؟ فقال عمر: لا أصالحك عنه إلا أن تقوم بجميع ما يطلب منه، ولا آخذ منه إلا جميع ما عنده من مال المسلمين. فقال: يا أمير المؤمنين إن كانت لك بيِّنة عليه بما تقول، وإلا فاقبل يمينه أو فصالحني عنه، فقال: لا آخذ منه إلا جميع ما عنده. فخرج مخلد بن يزيد من عند عمر (١)، فلم يلبث أن مات مخلد. وكان عمر يقول: هو خير من أبيه. ثم إن عمر أمر بأن يلبس يزيد بن المهلّب جبَّة صوف ويركب على بعير إلى جزيرة دَهْلَك (٢) التي كان يُنفى إليها الفُسّاق، فشفعوا فيه (٣) فردّه إلى السجن، فلم يزل به حتى مرض عمر بن عبد العزيز (٤).

وفي هذه السنة في رمضان منها عزل عمر بن عبد العزيز الجرّاح بن عبد الله الحكمي عن إمرة خراسان، بعد سنة وخمسة أشهر، وإنما عزله لأنه كان يأخذ الجزية ممن أسلم من الكفار ويقول: أنتم إنما تسلمون فرارًا منها (٥). فامتنعوا من الإسلام وثبتوا على دينهم وأدّوا الجزية، فكتب إليه عمر: إن الله إنما بعث محمدًا داعيًا، ولم يبعثه جابيًا. وعزله وولى بدله عبد الرحمن بن نعيم القشيري (٦) على الحرب، وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج (٧). وفيها كتب عمر إلى عماله يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر، ويبين لهم الحق ويوضحه لهم ويعظمهم فيما بينه وبينهم، ويخوفهم بأس الله وانتقامه، كان فيما كتب إلى عبد الرحمن بن نعيم القشيري:

أما بعد فكن عبدًا ناصحًا لله في عباده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، فإن الله أولى بك من الناس، وحقه عليك أعظم، ولا تولّين شيئًا من أمور المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم، والتوقير عليهم.


(١) منِ قوله: فقال يا أمير المؤمنين … إلى هنا ساقط من أ.
(٢) دَهْلك: - بفتح أوله، وسكون ثانية، ولام مفتوحة، وآخره كاف - اسم أعجمي معرب، ويقال له: دهيك أيضًا. وهي جزيرة في بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة بلدة ضيقة حرجة حارة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. معجم البلدان (٢/ ٤٩٢).
(٣) في الطبري (٦/ ٥٥٧): فدخل على عمر سلامة بن نعيم الخولاني، فقال: يا أمير المؤمنين، اردد يزيد إلى محبسه، فإني أخاف إن أمضيته أن ينتزعه قومه؛ فإني رأيت قومه غضبوا له. فرده إلى محبسه.
(٤) العبارة في ط وما بعدها: حتى مرض عمر مرضه الذي مات فيه، فهرب من السجن وهو مريض، وعلم أنه يموت في مرضه ذلك، وبذلك كتب إليه كما سيأتي، وأظنه كان عالمًا أن عمر سُقي سمًا.
(٥) في الطبري (٦/ ٥٥٩) وابن الأثير (٥/ ٥١): انظر منْ صلّى قبلَك إلى القبلة، فضع عنه الجزية، فسارع الناس إلى الإسلام، وقيل للجراح إن الناس سارعوا إلى الإسلام نفورًا من الجزية، فامتحنهم بالختان .. فكتب عمر: إن الله بعث محمدًا داعيًا ولم يبعثه خاتنًا.
(٦) في الطبري: الغامدي، وفي ابن الأثير: العامري.
(٧) في الطبري: وعلى جزيتها عبيد الله - أو عبد الله - بن حبيب.