للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للباقين، كذلك حتى تُرَدَّ إلى خيرِ الوارثين؛ ثم إنكم في كلِّ يوم ثُشَيِّعُون غاديًا ورائحًا إلى الله لا يرجع، قد قَضَى نحبَه، حتى تُغَيِّبوه في صَدْعٍ من الأرض، في بطنِ صَدْعٍ غير مُوَسَّد ولا مُمهَّد، قد فارق الأحباب، وباشَرَ التراب وواجه الحساب، فهو مُرْتَهنٌ بعمله، غنيٌّ عما ترك، فقيرٌ إلى ما قدَّم، فاتقوا الله قبل انقضاءِ مُراقبته، ونزول (١) الموت بكم، أما إني أقول هذا، ثم وضع (٢) طَرَف ردائه على وجهه، فبكى وأبكى مَنْ حوله (٣).

وفي رواية: وايمُ الله، إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحدٍ منكم من الذنوبِ اْكثرَ مما أعلم من نفسي، ولكنها سُننٌ من الله عادلة، أمرَ فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيتِه، وأستغفرُ الله، ووضع كُمَّه على وجهه فبكى حتى بل لحيته، فما عاد لمجلسه حتى مات (٤).

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا عن عمرَ بن عبد العزيز أنه رأى رسولَ الله في النوم وهو يقول له: "ادْنُ يا عمر، ادن يا عمر، ادن يا عمر، قال: فدنوتُ حتى خشيتُ أنْ أصيبه"، فقال:" إذا وَليت فاعملْ نحوًا من عمل هذين"، فإذا كهلانِ قدِ اكتَفاهُ، فقلت: ومَنْ هذان؟ قال: "هذا أبو بكر وهذا عمر" (٥).

وروِّيْنا أنه قال لسالم بن عبد الله بن عمر: اكتبْ لي سيرةَ عمر حتى أعمل بها. فقال له سالم: إنك لا تستطيعُ ذلك. قال: ولم؟ قال: إنك إن عملت بها كنتَ أفضلَ من عمر، لأنه كان يجدُ على الخير أعوانًا، وأنت لا تجدُ مَنْ يعينكَ على الخير (٦).

وقد رُوي أنه كان نقشُ خاتمه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وفي رواية: آمنت بالله. وفي رواية: الوفاء عزيز (٧).

وقد جمعَ يومًا رؤوسَ الناس فخطبهم فقال: إن فَدَكَ (٨) كانتْ بيدِ رسولِ ال يضَعُها حيثُ أراه


(١) في (ق): "قبل القضاء، راقبوه قبل الموت" وفي (ب): "قبل القضاء تراقبه وترون الموت"، وكلاهما تصحيف، والمثبت من (ح) وتاريخ ابن عساكر.
(٢) في تاريخ ابن عساكر: "رفع طرف ردائه"، وهو أشبه بالصواب.
(٣) الخبر في تاريخ ابن عساكر (٥٤٠/ ١٤١، ١٤٢) وتخريجه ثمة.
(٤) الخبر في تاريخ ابن عساكر (٥٤/ ١٤٢).
(٥) تاريخ ابن عساكر (٥٤/ ١٤٣).
(٦) انظر تاريخ ابن عساكر (٥٤/ ١٤٣).
(٧) انظر تاريخ ابن عساكر (٥٤/ ١٤٥).
(٨) فَدَك: قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان - وقيل ثلاثة - أفاءها الله على رسوله في سنة سبع منصرفه من خيبر صلحًا، وفيها عن فوارة ونخيل كثيرة. وذكر ياقوت في معجم البلدان (٤/ ٢٣٨ - ٢٤٠) قصتها مع الخلفاء وما آلت إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>