للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُبكِّي على المنتوفِ في نصرِ قومهِ … ولسنا نبكِّي الشائدَيْنِ أباهما (١)

أرادا فناءَ الحيِّ بكرِ بنِ وائلٍ … فعزُّ تميمٍ لو أُصيبَ فِناهما

فلا لقيا روحًا من اللهِ ساعةً … ولا رقأتْ عينا شجيٍّ بكاهما

أفي الغشِّ نبكي إنْ بكينا عليهما … وقد لقيا بالغِشِّ فينا رداهما (٢)

ولما اقترب مَسْلمةُ وَابْنُ أخيه العباس بن الوليد من جيش يزيدَ بنِ المهلب، خطب يزيدُ بن المهلَّب الناس وحرَّضهم على القتال - يعني قتالَ أهلِ الشام - وكان مع يزيد نحوٌ من مئة ألف، وعشرين ألفًا، وقد بايعوه على السمع والطاعة، وعلى كتابِ الله وسنة رسوله ، وعلى أن لا يطأ الجنود بلادهم، وعلى أن لا تُعاد عليهم سيرة الفاسق الحجَّاج، ومنْ بايعَنا على ذلك قبلنا منه، ومن خالفَنا قاتلْناه.

وكان الحسن البصريّ في هذه الأيام يحرِّضُ الناس على الكفّ وترك الدخول في الفتنة، وينهاهم أشدَّ النهي، وذلك لما وقع من الشرِّ الطويل العريض في أيام ابنِ الأشعث، وما قُتل بسببها من النفوس العديدة، وجعل الحسن يخطبُ الناسَ ويعظهم في ذلك، ويأمرُهم بالكفّ، فبلغ ذلك نائبَ البصرة عبدَ الملك بن المهلَّب (٣)، فقام في الناس خطيبًا، فأمرهم بالجدِّ والجِهاد، والنفير إلى القتال، ثم قال: ولقد بلَغني أنَّ هذا الشيخ الضالَّ المُرائي - ولم يسمِّه - يثبِّطُ الناس، أما والله ليكفَّنَّ عن ذلك أو لأفعلنَّ ولأفعلنّ، وتوعَّد الحسن، فلما بلغ الحسنَ قولُه قال: أما والله ما أكره أنْ يكرمني الله بهوانه، فسلَّمه الله منه، حتى زالتْ دولتهم، وذلك أنَّ الجيوش لما تواجهتْ تبارزَ الناسُ قليلًا، ولم تنشَب الحَرْبُ شديدًا، فلم يثبُتْ أهلُ العراق حتى فرُّوا سريعًا، وبلغهم أنَّ الجسر الذي جاؤوا عليه قد خرق فانهزموا، فقال يزيد بن المهلب: ما بال الناس؟ ولم يكن من الأمر ما يضر من مثله، فقيل له: إنه بلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه قد خرق. فقال: قبَّحهم الله. ثم رامَ أنْ يردَّ المنهزمين فلم يمكنه ذلك، فثبَتَ في عصابةٍ من أصحابه وجعل بعضُهم يتسلَّلون منه حتى بقي في شِرْذمة منهم، وهو مع ذلك يسيرُ قُدمًا لا يمرُّ بخيل إلا هزمهم، وأهلُ الشام يَنْحازون عنه يمينًا وشمالًا، وقد قُتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد حَنَقًا وغيظًا، وهو على فرس له أشْهب، ثم قصد نحو مَسْلمة بن عبد الملك لا يُريدُ غيره، فلما واجهه حملتْ عليه خيولُ الشام فقتلوه، وقتلوا معه أخاه محمد بن المهلَّب، وقتلوا


(١) في (ق): "وليتنا نبكي الشائدين أباهما"، وفي تاريخ الطبري " ولسنا … "، والمثبت من (ب، ح)، والأبيات في تاريخ الطبري (٦/ ٥٦١)؛ وفي الشطر الثاني من البيت الأول زحاف إلا إذا فك إدغام الباء تصبح "السابين".
(٢) في (ب): "إلى العين نبكي .. "، وفي (ح): "إن العين تبكي .. "، وفي (ب، ح):" وفي لقيا بالعيش فينا رداهما"، والمثبت من (ق) والطبري (٦/ ٥٦١).
(٣) في (م) مروان بن المهلّب.

<<  <  ج: ص:  >  >>