للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قالوا الكلام الأوّل ليتدبّروا ويتواصَوا ويأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة، والمكر، والخديعة، والسِّحر، والبُهتان، وهيهات، كذبت والله الظنون، وأخطأت الآراء. أنّى يعارِضُ البهتان، والسحرُ والهذيان، خَوارقَ العادات التي أجراها الدَّيَّان، على يدي عبده الكليم، ورسوله الكريم المؤيد بالبرهان الذي يبهر الأبصار، وتحار فيه العقول والأذهان.

وقولهم: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾ أي: جميع ما عندكم ﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ أي: جملةً واحدةً، ثمّ حَضُّوا بعضهم بعضًا على التقدّم في هذا المقام، لأن فرعون كان قد وعدهم ومَنَّاهم ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠].

﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: ٦٥ - ٦٩].

لما اصطفّ السَّحرةُ، ووقف موسى وهارون تجاههم قالوا له: إمّا أن تلقيَ قبلنا، وإما أن نلقيَ قبلك. ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ أنتم، وكانوا قد عمدوا إلى حبالٍ وعِصِيٍّ، فأودعوها الزئبقَ وغيرَه من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطرابًا يخيل للرائي أنّها تسعى باختيارها، وإنّما تتحرَّك بسبب ذلك. فعند ذلك سحروا أعين النَّاس، واسترهبوهم، وألقَوا حبالهم وعصيَّهم وهم يقولون: بعزَّة فرعون إنّا لنحن الغالبون (١).

قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)[الأعراف: ١١٦].

وقال تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ أي: خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم قبل أن يُلْقِيَ ما في يده فإنه لا يصنع شيئًا قبل أن يُؤمَر، فأُوحيَ إليه فى السَّاعة الراهنة ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ فعند ذلك ألقى موسى عصاه وقال: ما جئتم به السِّحرُ إن الله سيُبْطِله إن الله لا يُصْلِحُ عمل المفسدين ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٨٢].

وقال تعالى: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى (٢) عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الشعراء: ٤٥] ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١١٨ - ١٢٢] وذلك أن موسى لمَّا ألقاها صارت حيةً عظيمة ذات قوائم -فيما ذكره غيرُ


(١) قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤].
(٢) كلمة ﴿موسى﴾ ليست في ب. وبذلك تكون الآية من قوله ﷿ في سورة الأعراف: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾.