للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ الحكومةَ ليستْ في أبيكَ ولا … في معشرٍ أنتَ منهمْ إنهمْ سفَلُ

فقام جرير مغضبًا وقال:

شتمتما قائلًا بالحقِّ مبتدئًا … عند الخليفةِ والأقوالُ تنتضلُ

أتشتمانِ سَفاهًا خَيْرَكمْ حسبًا … ففيكما - وإلَهي - الزُّورُ والخطَلُ

شتمتماهُ على رَفْعي ووضْعِكما … لا زِلْتما في سفَالٍ أيُّها السَّفَلُ (١)

ثم وَثَبَ جريرٌ فقبَّلَ رأسَ الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له؛ وكانت خمسة عشر ألفًا. فقال عبد الملك: وله مثلُها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كلَّه وخَرَج (٢).

وحكى يعقوبُ بن السِّكِّيت، أنَّ جريرًا دخل على عبد الملك مع وَفدِ أهلِ العراق من جهة الحجاج فأنشده مديحَهُ الذي يقولُ فيه:

ألستمْ خيرَ من رَكبَ المطايا … وأندى العالمين بطونَ راحِ (٣)

فأطلَق له مئة ناقة وثمانيةً من الرِّعاء، أربعة من النوبة، وأربعة من السبي الذين قدم بهم من الصُّغْد. قال جرير: وبين يدي أمير المؤمنين عبد الملك جاماتٌ (٤) من فضَّة قد أُهديَتْ له، وهو لا يعبأ بها شيئًا، فهو يقرَعُها بقضيبٍ في يده، فقلت: يا أمير المؤمنين المحلب، فألقى إليَّ واحدًا من تلك الجامات، ولما رجع إلى الحجَّاج أعجبَهُ إكرامُ أميرِ المؤمنين له، فأطلق الحجَّاج له خمسين ناقةً تحملُ طعامًا لأهله.

وحكى نِفْطوَيْه أنَّ جريرًا دخل يومًا على بشر بن مروان وعنده الأخطل، فقال بشر لجرير: أتعرفُ هذا؟ قال: لا، ومنْ هذا أيها الأمير؟ فقال: هذا الأخطل. فقال الأخطل: أنا الذي شتمتُ عِرْضَك وأسهرت ليلك، وآذيت قومك. فقال جرير: أما قولك شتمت عرضك؛ فما ضرَّ البحرَ أنْ يشتمَهُ منْ غَرِق فيه، وأما قولك وأسهرتُ ليلك، فلو تركتني أنامُ لكانَ خيرًا لك، وأما قولك وآذيتُ قومك، فكيف تؤذي قومًا أنت تؤدِّي الجِزْية إليهم؟ وكان الأخطل من نصارَى العرب المتنصِّرة، قَبَّحهُ اللَّه وأبعدَ مثواه، [وهو الذي أنشدَ بشر بن مروان قصيدته التي يقولُ فيها:


(١) الأبيات في ديوان جرير ص (٣٩١).
(٢) الخبر أورده ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (١/ ٢٦٩، ٢٧٠). وأخرجه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (٨/ ٤٤ - ٤٦) مطولًا بغير هذا السياق، ولم يكن في المجلس الفرزدق والأخطل.
(٣) البيت من قصيدة مشهورة في ديوان جرير ص (٧٦).
(٤) في (ق): "جامانِ" بالنون، تصحيف، والمثبت من (ح).

<<  <  ج: ص:  >  >>