للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٨، ٢٩).).
وقال عبد الرزاق: حدثني بكار بن عد الله عن وهب، قال: قرأتُ في بعض الكتب فوجدتُ الله تعالى يقول: يا بن آدم، ما أنصفتني، تُذكَّرُ بي وتنساني! وتدعو إليَّ وتَفرُّ مني! خيري إليك نازل، وشرُّك إليَّ صاعد، ولا يزال ملك كريمٌ قد نزل إليك من أجلك. يا بن آدم، إنَّ أحبَّ ما تكون إليَّ وأقربَ ما تكونُ مني إذا رضيتَ بما قسمتُ لك، وأبغضُ ما تكونُ إليَّ، وأبعدُ ما تكونُ مني إذا سَخطت بما قسمتُ لك. يا بن آدم أطِعني فيما أمرتُك، ولا تُعلمني بما يُصلحُك، إني عالمٌ بخَلقي، وأنا أعلمُ بحاجتك التي ترفعُك من نفسك، إني إنما أُكرم من أكرمني، وأُهينُ من وإن عليه أمري. لستُ بناظرٍ في حقِّ عبدي حتى ينظر العبدُ في حقِّي (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٧).).
وقال وهب: قرأتُ نيفًا وتسعين كتابًا من كتبِ الله تعالى [منها سبعون، أو نيفٌ وسبعون ظاهرةٌ في الكتابَين، ومنها عشرون لا يعلَمُها إلا قليلٌ من الناس]، فوجدتُ في جميعها أنَّ مَن وَكَلَ إلى نفسه من المشيئة فقد كَفر (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٤)، وما بين معقوفين منه.).
وقال: لا يسكنُ ابنَ آدم أنَّ الله هو قَسَم الأرزاق متفاضلةً ومختلفة، فإن تقلَّل ابنُ آدمَ شيئًا من رزقه فليزدد إلى الله رغبة، ولا يقولن: لو اطَّلع الله على هذا من حالي أو شعر به غيَّره. فكيف لا يطَّلع على شيء الذي خلقَهُ وقدَّره؟ أوَ [لا] يعتبرُ ابن آدمَ في غير ذلك مما يتفاضلُ فيه الناس؟ كأن الله فاضل بينهم في الأجسام والأموال والألوان والعقول والأحلام، فلا يَكبُر على ابن آدم أن يُفضَّل عليه في الرزق والمعيشة، ولا يَكبُر عليه أن يُفضَّل عليه في الحِلم والعِلم والعقل والدِّين. أوَلا يعلم ابن آدم أنَّ الذي رزقه في ثلاثة أزمانٍ من عُمره لم يكن له في واحدٍ منها كَسبٌ ولا حِيلة، أنه سوف يرزُقُه في الزمن الرابع؟ أولُ زمانٍ من أزمانه حين كان في بطن أمِّه، يُخلق فيه ويُرزق من غير مالٍ كَسبَه، وهو في قرارٍ مكين، لا يؤذيه فيه حَرٌّ ولا بردٌّ ولا شيء، ولا هَمٌّ ولا حُزنٌ، وليس له هناك يدٌ تبطش ولا رِجلٌ تسعى، ولا لسان ينطِق، فساقَ الله ﷿ إليه رزقه هناك على أتم الوجوه وأهناها وأمراها، ثم إنَّ الله ﷿ أراد أن يحوِّلهُ من تلك المنزلة إلى غيرها، ويحدث له في الزمن الثاني رزقًا من أُمِّه، يَكفيه ويُغنيه، من غير حَولٍ منه ولا قوة ولا بطشٍ ولا سُمعة، بل تفضلًا من الله، وجودًا ورزقًا أجراه، وساقه إليه، ثم أراد الله سبحانه أن ينقله من الزمن الثاني إلى الزمن الثالث من ذلك اللبن إلى رزق يُحدثه له من كَسب أبويه، بأن يجعل له الرحمة في قلوبهما حتى يؤثراهُ على نفسِهما بكَسبهما، ويُغنياه ويغذِّياهُ باطيب ما يقدران عليه من الأغذية، وهو لايُعينُهما على شييءٍ من ذلك بكسب ولا حيلة، حتى إذا عَقَلَ حدَّث نفسه بأنه يُرزق بحيلته ومكسبه وسعيه، ثم يدخل عليه في الزمن الرابع إساءة الظنِّ بربِّه ﷿، فيُضَيِّعُ أوامر الله في طلب المعاش، وزيادة المال وكثرته، وينظرُ إلى أبناء الجنس وما عليه من التنافس في طلب الدنيا، فيكسبُ بذلك ضعف اليقين والإيمان، ويمتلئُ قلبه فقرًا وخوفًا منه مع المتاع، ويُبتلى بموت القلب، وعدم العقل. ولو نظر ابنُ آدم نظَرَ معرفةٍ وعقل، لَعَلِم أنه لن يُغنِيهُ في الزمن الرابع إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاثة قبلُ، فلا مقالَ له ولا معذرةَ مما سُلِّط عليه في الزمان الرابع إلا برحمة الله، فإن ابن آدم كثيرُ الشكّ، يُقصَّرُ به حُكمُهُ وعِلمه عن علم الله والتفكر في أمره، ولو تفكر حتى يفهم، وتفهم حتى يعلم، عَلِمَ أن علامة الله التي بها يُعرف خلقه الذي خلق، ثم رِزْقُهُ لِمَا خلق، وقَدَرُهُ لِمَا قَدَّر (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٥).).
وقال عطاء الخراساني: لَقيتُ وهبًا في الطريق فقلت: حدِّثني حديثًا أحفَظُه عنك في مقامي هذا وأوجز. قال: أوحى الله ﷿ إلى داود : يا داود، أما وعزَّتي وعظمتي لا يَنتصرُ بي عبدٌ من عبادي دون خلقٍ أعلمُ ذلك من نيَّته، فتكيده السماوات السبعُ ومن فيهنّ والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له منهنَّ فرجًا ومخرجًا، أما وعزَّتي وجلالي، لا يعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذلك من نيَّته إلا قطعت أسباب السماوات من =

<<  <  ج: ص:  >  >>