للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون، وهم قومه من القبط، بالسِّنين: وهي أعوام الجَدْب التي لا يُستغل فيها زرع ولا يُنتفع بضرع، وقوله: ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾. وهي قلّة الثمار من الأشجار ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي: فَلَم ينتفعوا ولم يرعَوُوا، بل تمرّدوا واستمروا على كفرهم وعنادهم ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ﴾ وهو الخصب ونحوه، ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ أي: هذا الذي نستحقّه، وهذا الذي يليق بنا، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ أي: يقولون: هذا بشؤمهم أصابنا هذا، ولا يقولون في الأوَّل إنه بركتُهم وحسن مجاورتهم، ولكنْ قلوبهم منكرة مستكبرة، نافرة عن الحق، إذا جاء الشرُّ أسندوه إليه، وإن رأوا خيرًا ادَّعوه لأنفسهم.

قال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي: مهما جئتنا به من الآيات، وهي الخوارق للعادات، فلسنا نؤمن بك ولا نتَّبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكلِّ آية.

وهكذا أخبر الله عنهم في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧].

قال الله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ أما الطوفان، فعن ابن عباس: هو كَثْرةُ الأمطار المُتْلِفَةِ للزروع والثمار. وبه قال سعيد بن جُبير وقتادة والسُّدِّي والضحَّاك. وعن ابن عباس وعطاء: هو كثرة الموت (١). وقال مجاهد الطوفان: الماء والطاعون على كل حال. وعن ابن عباس: أمرٌ طافَ (٢) بهم.

وقد روى ابن جرير، وابن مردويه، من طريق يحيى بن يَمَان، عن المنهال بن خليفة، عن الحجَّاج، عن الحكم بن مِيْنا، عن عائشة، عن النبي "الطُّوفانُ الموْتُ" (٣) وهو غريب.

وأما الجراد: فمعروف. وقد روى أبو دَاود (٤)، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي قال: سُئل رسول الله عن الجراد فقال: "أكْثَرُ جُنُوْدِ اللهِ لا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ" وترك النبي أكله إنما هو على وجه التقذُّر له، كما ترك أكل الضَّبِّ، وتنزَّه عن أكل البَصَل والثوم والكرَّاث؛ لما ثبت في "الصحيحين" (٥) عن عبد الله بن أبي أَوْفى قال: غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكلُ الجراد.


(١) تفسير الطبري (٩/ ٢٢ - ٢٧).
(٢) في ب: حاق بهم.
(٣) هو في تفسيره: (٩/ ٢٧) من طريق أخرى عن مجاهد. وهو عن عائشة في الجامع الصغير (٢/ ١٠٨).
(٤) سنن أبي داود رقم (٣٨١٣) في الأطعمة، باب في أكل الجراد، وإسناده ضعيف.
(٥) في البخاري (٥٤٩٥) في الذبائح والصيد، باب أكل الجراد، ومسلم (١٩٥٢) في الصيد، باب إباحة الجراد.