للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك، ومَد نَهَاهُ أخوهُ العباسُ بن الوليد فلم يقبَلْ، فقال: واللهِ لولا أنِّي أخافُ عليك الوليد لقيَّدتك وأرسلتك إليه. واتَّفَقَ خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممَّن خرج الوليدُ بن يزيد أميرُ المؤمنين في طائفةٍ من أصحابه نحو المئتَيْنِ إلى ناحيةِ مشارف دمشق (١)، فانتظم لِيَزيدَ بنِ الوليد أمرُه، وجعل أخوهُ العباسُ يَنْهاهُ عن ذلك أشدَّ النَّهْي فلا يَقبَلْ، فقال العباسُ في ذلك:

إني أعيذُكُم باللهِ من فِتَنٍ … مثلَ الجبالِ تَسَامَى ثم تَنْدَفعُ

إنَّ البريَّةَ قد ملَّتْ سياسَتَكُمْ … فاستمسِكُوا بعَمُودِ الدِّينِ وارتَدِعُوا

لا تُلْحِمُنَّ ذئابَ الناس أنفسَكنم … إنَّ الذئاب إذ ما ألْحِمَتْ رَتَعُوا

لا تَبْقُرُنَّ بأيديكم بُطُونَكمُ … فثَمَّ لا حَسْرَةٌ تُغْني ولا جَزَعُ (٢)

فلما استوْثَقَ لِيَزيدَ بنِ الوليد أمْرُهُ، وبايَعهُ منْ بايَعَهُ من الناس قَصَدَ دمشقَ، فدخلها في غَيْبَةِ الولد، فبايَعهُ أكثرُ أهلِها في الليل، وبلَغهُ أنَّ أهلَ المِزَّةِ بايعوا كبيرَهم معاويةَ بنَ مصَاد، فمضى إليه يزيدُ ماشيًا في نفرٍ من أصحابه، فأصابَهم في الطريق خطرٌ شديد، فأتَوْهُ، فطرقُوا بابَهُ ليلًا، ثم دخلوا فكلَّمَهُ يزيدُ في ذلك، فبايعَهُ ابنُ مصَاد ثم رجعَ يزيدُ من ليلتهِ إلى دمشق على طريقِ القَناة، وهو على حمارٍ أسود، فحَلَفَ أصحابُهُ أنه لا يدخلُ دمشقَ إلا في السلاح، فلَبس سلاحًا من تحتِ ثيابه، فدخلَها، وكان الوليدُ قدِ استنابَ على دمشقَ في غَيْبتِهِ عبدَ الملك بن محمد بن الحجَّاج بن يوسف الثقفي، وقد خرج منها أيضًا من الوباء، فهو مقيمٌ بِقَطَنا (٣)، واستخلفَ ابنَه (٤) على دمشق، وعلى شُرْطتِها أبو العاج كثير بن عبد الله السُّلَمي، فلمَّا كان ليلة الجمعة اجتَمَعَ أصحابُ يزيدَ بين العشاءَيْن، عند بابِ الفرَادِيس، فلمَّا أذَّن عشاءُ الآخرة دخلوا المسجد، فلمَّا لم يبقَ في المسجد غيرُهم بعثوا إلى يزيدَ بنِ الوليد، فجاءهم، فقصدوا بابَ المقصورة، ففتح لهم خادم، فدخلوا فوجدوا أبا (٥) العاج وهو سكران، فأخذوه وأخذوا خزائنَ بيتِ المال، وتسلَّموا الحواصلَ، وتقوَّوْا بالأسلحة، وأمرَ يزيدُ بإغلاق أبوابِ البلد، وأن لا يُفْتَح إلَّا لِمَنْ يُعرَف، فلمَّا أصبح الناسُ قَدِمَ أهلُ الحَوَاضرِ من كل جانب فدخلوا من سائرِ أبوابِ البلدِ كل أهلِ مَحلَّةٍ من البابِ الذي يَليهم، فكثُرَتِ الجيوشُ حَوْلَ يزيدَ بنِ الوليد بنِ عبد الملك في نُصْرَتِه، وكلُّهم قد بايَعَهُ بالخلافة، وقد قال فيه بعضُ الشعراء في ذلك:

فجاءَتْهُمُ أنصارُهُمْ حينَ أصبحوا … سَكَاسِكَها أهلُ البيوتِ الصنادِدِ


(١) في (ب، ح): "مشارق".
(٢) الخبر والأبيات في تاريخ الطبري (٤/ ٢٣٩، ٢٤٠)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (٤/ ٤٨١، ٤٨٢).
(٣) قَطَنا: من قرى دمشق، تقع إلى جنوبها الغربي، وتبعدُ عنها نحو خمس وعشرين كيلو مترًا.
(٤) في الأصل: أباه، وفي بعض النسخ: ابنه.
(٥) في الأصل: أبو، وفي بعض النسخ: أبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>