أيُها الناس! بنا هَدَى اللَّه الناسَ بعدَ ضلالَتِهم ونصرَهم بعد جهالَتِهم، وأنقذَهُم بعد هَلَكَتِهم وأظهرَ بنا الحق وأدْحَضَ بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا ورفَعَ بنا الخسيسة، وأتمَّ النَّقِيصة، وجمع الفُرْقة، حتَّى عاد الناسُ بعد العداوةِ أهل تَعاطُفٍ وبِرٍّ ومواساةٍ في دنياهم، وإخوانًا على سُرُرٍ متقابِلِين في أخرَاهم، فتَحَ اللّهُ علينا ذلك مِنَةً ومِنْحَة بمحمدٍ ﷺ، فلما قبَضَهُ إليه قام بذلك الأمرَ بعدَهُ أصحابُه، وأمْرُهُمْ شُورى بينهم، فحوَوْا مَوَاريثَ الأُمَم، فعدَّلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصًا منها، ثم وثب بنو حربٍ ومروان، فابتزوها لأنفسهم، وتداوَلوها، فجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلَها، فأملى الله لهم ح ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: ٥٥]، فانتزع منهم ما بأيديهمْ بأيدينا، وردَّ الله علينا حَقَّنا، وتدارَكَ بنا أُمَّتنا، وتولَّى أمرَنا والقيامَ بنصرِنا لِيَمُنَّ بنا على الذين استُضْعِفُوا في الأرض، وختَمَ بنا كما افتتح بنا.
وإنِّي لأرجو أنْ لا يأتيَكُم الجَوْرُ من حيثُ جاءكمُ الخير، ولا الفسادُ من حيثُ جاءكمُ الصلاح، وما توفيقُنا أهلَ البيتِ إلَّا باللّه، يا أهلَ الكوفة، أنتم مَحَلُّ مَحبَّتنَا، ومَنْزِلُ مودَّتِنا، وأنتم أسعدُ الناسِ بنا، وأكرمُهم علينا؛ وقد زِدْتُكُمْ في أُعطياتِكم مئةَ دِرْهم، فاستعدُّوا، فأنا السَّفَّاحُ الهائج، والثائرُ الْمُبير. وكان به وَعْك، فاشتدَّ عليه حتَّى جلس على المنبر، ونهَضَ عمُّه داود فقال: الحمدُ للّه شكرًا، الذي أهلَكَ عدوَّنا، وأصارَ إلينا مِيراثنا من بيتنا. أيها الناس، الآنَ انقشعَتْ حَنَادسُ الظلماتِ وانكشف غِطَاؤها، وأشرقَتْ أرضُها وسماؤها، فطلعتْ شمسُ الخِلافةِ مِنْ مَطْلعها، وبَزَغَ القمرُ من مَبْزَغِه، ورجَعَ الحقُّ إلى نصابِه، في أهلِ نبيِّكُمْ، أهلِ الرأفةِ والرحمةِ والعَطْف، عليكم أيُّها الناس، إنَّا واللّهِ ما خرَجْنا لهذا الأمر، لِنَكْنزَ لُجَيْنًا ولا عِقْيَانًا، ولا لِنحفِرَ نَهْرًا ولا لِنَبْنيَ قصرًا، ولا لنجمعَ ذهبًا ولا فِضَّة، وإنما أخرجَتْنا الأنَفَةُ من انتزَاعِ حَقِّنا، والغضَب لبني عَمِّنا، ولِسُوء سيرةِ بني أميةَ فيكم،