للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأسواق والمعايش (١)، فأقام بها يومَيْنِ أو ثلاثة، ثم شَخَصَ منها، فلمَّا رأى أهلُ حمصَ قلَّةَ منْ معَه اتَّبَعوهُ لِيَقتُلوه، طمعًا فيه وقالوا: مَرْعُوبٌ مهزوم. فأدركوهُ بوَادٍ عندَ حِمْص، فأكمَنَ لهم أميرَيْن، فلما تلاحقوا بِمَرْوان عَطَفَ عليهم فأنشَدَهُمْ أنْ يَرْجِعوا، فأبَوا إلَّا مقاتَلَته، فثارَ القتالُ بينهم وثارَ الكَمينان من ورائهم، فانهزم الحِمْصيُّون، وجاء مروانُ إلى دمشق وعلى نيابتِها من جهتِه زوجُ ابنتِهِ الوليدُ بن معاويةَ بنِ مروان، فترَكهُ بها واجتاز عنها قاصدًا إلى الديارِ المِصْريَّة، وجعل عبدُ اللَّه بنُ علي لا يَمرُّ ببلدٍ إِلَّا خرجوا إليه وقد سوَّدُوا، فيُبايعونه ويعطيهمُ الأمان، ولما وصل إلى قِنَّسْرينَ وصل إليه أخوهُ عبدُ الصمد بنُ علي في أربعةِ آلاف، وفد بعثهمُ السفاح مددًا له؛ ثم سار عبدُ اللَّه حتَّى أتى حمصَ، ثم سار منها إلى بَعْلَبَكّ، ثم منها حتَّى أتى دمشق من ناحيةِ الْمِزَّة، فنزل بها يومين أو ثلاثة، ثم وصل إليه أخوه صالح بن علي في ثمانية آلاف مددًا من السفاح، فنزل صالحٌ بِمَرْجِ عَذْراء، ولما جاء عبدُ اللَّه بنُ علي دمشقَ نزلَ على البابِ الشرقي، ونزَلَ صالحٌ أخوه على بابِ الجابية، ونزل أبو عَوْن على بابِ كَيْسان، على الباب الصَّغِير، وحُمَيْد بن قَحْطَبة على باب تُوما. وعبدُ الصمد وَيحيى بنُ صفوان والعباسُ بن يزيد على باب الفراديس، فحاصرَها أيامًا ثم افتتَحَها يومَ الأربعاء لعشرٍ خلَوْنَ من رمضان هذه السَّنَة، فقتَلَ مِنْ أهلها خلفًا كثيرًا وأباحَها ثلاثَ ساعاتٍ وهَدَمَ سُورَها. ويُقال إنَّ أهلَ دمشقَ لما حاصرهم عبدُ اللَّه اختلفوا فيما بينهم ما بين عباسيٍّ وأُمويّ، فاقتتلوا، فقتَلَ بعضُهم بعضًا، وقتلوا نائبَهم، ثم سلَّموا البلد، وكان أولَ منْ صَعِدَ السُّور من ناحيةِ البابِ الشرقي رجلٌ يُقال له عبدُ الله الطائي، ومن ناحيةِ البابِ الصغير بسَّامُ بن إبراهيم. ثم أُبيحَتْ دمشقُ ثلاثَ ساعاتٍ حتَّى قيل: إنه قُتل بِها في هذه المُدَّة نحوٌ من خمسين ألفًا.

وذكر ابنُ عساكر في ترجمة عبيد بن الحسن الأعرج (٢) من ولدِ جعفر بن أبي طالب، وكان أميرًا على خمسةِ آلافٍ مع عبد اللَّه بن علي في حصارِ دمشق، أنَّهم أقاموا محاصريها خمسةَ أشهر، وقيل مئةَ يوم، وقيل شهرًا ونصفًا، وأنَّ البلد كان قد حصَّنهُ نائبُ مروان تحصينًا عظيمًا، ولكن اختلف أهلُها فيما بينهم بسبب اليمانية والمُضَريَّة؛ وكان ذلك بسبب الفتح، حتَّى إنهم جعلوا في كلِّ مسجدٍ مِحْرابَيْن للقِبْلَتَيْن، حتَّى في المسجدِ الجامع منبرَيْن، وإمامَينِ يَخطُبانِ يومَ الجُمعة على المنبرَيْن. وهذا من عَجيبِ ما وقَع، وغَريب ما اتّفق، وفَظيعِ ما أُحدث بسبب الفتنة والهوى والعصبية نسأل الله السلامة والعافية. وقد بسط ذلك ابنُ عساكر في هذه الترجمة المذكور (٣).


(١) في تاريخ الطبري (٤/ ٣٥٣): "بالأسواق وبالسمع والطاعة".
(٢) انظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (٣٧/ ٤٢٣ - ٤٢٥).
(٣) قال ابن عساكر في تاريخه: (٣٧/ ٤٢٥) بعد سياقه هذه الأخبار بإسناده: هذا منقطع، والواقدي ضعيف، والمدائني شيعي متهم. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>