للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلفاءِ نحنُ أو بنو أُميَّة؟ فقال: هم كانوا أنفعَ للناس، وأنتم أقومُ للصلاة. فأعطاهُ ستةَ آلاف.

قالوا: وقد كان مروانُ هذا كثيرَ المروءة، كثيرَ العَجَب، يُعجبهُ اللَّهْوُ والطرَب، ولكنَّهُ كان يشتغلُ عن ذلك بالحرب.

قال ابنُ عساكر (١): قرأت بخط أبي الحسن عليِّ بن مقلد بن نصر بن مُنقِذ ابن الأمير، في مجموعٍ له: كتب مروانُ بنُ محمد إلى جاريةٍ لهُ ترَكَها بالرَّمْلةِ عندَ ذهابهِ إلى مصرَ منهزمًا:

وما زال يدعوني إلى الصبرِ ما أرى … فآبى ويُدنِيني الذي لكِ في صَدْري

وكان عزيزًا أنْ تَبيتي وبيننا .... حِجَابٌ فقد أمسَيْتِ منِّي على عَشْرِ

وأنكاهما واللّهِ للقلبِ فاعلمي … إذا زدتِ مِثلَيْها فَصِرت على شهرِ

وأعظمُ من هذينِ واللّهِ أنَّني .... أخافُ بأنْ لا نلتقي آخرَ الدَّهْرِ

سأبكيكِ لا مُستبقيًا فيضَ عَبْرةٍ … ولا طالبًا بالصبرِ عاقبةَ الصَّبرِ

وقال بعضُهم: اجتاز مروانُ وهو هاربٌ براهب، فاطَّلَعَ عليه الراهب، فسلَّمَ عليه، فقال له: يا راهب، هل عندك علمٌ بالزمان؟ قال: نعم، عندي مِن تَلَوُّنِهِ ألوان. قال: هل تبلغُ الدنيا من الإنسانِ أنْ تجعلَهُ مملوكًا بعدَ أنْ كان مالِكًا؟ قال: نعم. قال: فكيف؟ قال: بِحُبِّهِ لهَا وحِرْصِهِ على نَيْلِ شهواتها، وتَضْييعِ الحَزْمِ، وتَرْكِ انتهازِ الفُرَص؛ فإنْ كنتَ تُحبُّها فإنَّ عبدَها منْ أحبَّها. قال: فما السبيلُ إلى العَتق؛ قال: بِبُغضها والتجافي عنها. قال: هذا ما لا يكون. قال الراهب: أمَا إنَّه سيكون، فبادرْ بالهرَبِ منها قبلَ أنْ تُسلبَها. قال: هل تعرفُني؟ قال: نعم. أنت مَلِكُ العَرَب مروان، تُقتلُ في بلاد السُّودان، وتُدفنُ بلا أكفان. فلولا أنَّ الموتَ في طلبك لدَلَلْتُكَ على مَوْضعِ هَرَبِك.

قال بعض الناس: كان يُقال في ذلك الزمان: يَقْتُل ع بن ع بن ع [بن ع] م بن م بن م. يَعْنُونَ يَقْتُلُ عبدُ اللَّه بنُ عليِّ [بن عبد اللَّه] بنِ عباس مروانَ بنَ محمدِ بنِ مروان.

وقال بعضُهم: جلس مروانُ يومًا وقد أُحيطَ به، وعلى رأسِهِ خادمٌ قائمٌ فقال مروانُ لبعضِ مَنْ يُخاطِبُه: ألا ترى ما نحنُ فيه، لَهْفِي على يدٍ ما ذُكرَتْ، ونعمةٍ ما شُكرت، ودولةٍ ما نُصرَتْ. فقال له الخادم: يا أميرَ المؤمنين، من ترَكَ القليلَ حتَّى يَكْثُر، والصغيرَ حتَّى يَكْبَر، والخَفِيَّ حتَّى يظهرَ، وأخَّرَ فعلَ اليومِ لغَدٍ حَلَّ بِهِ أكثرُ مِنْ هذا، فقال مروان: هذا القولُ أشدُّ عليَّ مِنْ فَقْدِ الخِلافة.

وقد قيل: إنَّ مروانَ قُتل يومَ الإثنين، لثلاثَ عشرةَ خلَتْ من ذي الحِجَّة سنة ثنتين وثلاثين ومئة، وقد جاوز السِّتِّينَ وبلَغَ الثمانين. وقيل: إنما عاش أربعينَ سنةً. والصحيحُ الأول، وكانتْ خِلافتُه خمسَ سنين وكسرًا. وهو أخِرُ خلفاءِ بني أمية، به انقضَتْ دولتُهم.


(١) في تاريخ مدينة دمشق (٥٧/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>