للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطلعَهم على قَتْلِه أفزَعهم ذلك، وأظهروا سرورًا كثيرًا. ثم خطب المنصور الناس بذلك كما تقدَّم.

ثم كتب المنصورُ إلى نائبِ أبي مسلم على أموالِهِ وحواصِلِهِ بكتابٍ على لسان أبي مسلم، أنْ يقدمَ بجميعِ ما عندَهُ من الحواصلِ والذخائرِ والأموالِ والجواهر. وختم الكتابَ بخاتم أبي مسلم بكمالِه مطبوعًا بكلِّ فَصِّ الخاتم، فلما رآه الخازنُ استرابَ في الأمر، وقد كان أبو مسلم تقدَّمَ إلى خازِنِه، أنَّهُ إذا جاءك كتابي فإنْ رأيتَهُ مختومًا بنصفِ الفَصّ فامضِ لما فيه، فإني إنما أختمُ بنصفِ فَصِّهِ على كُتبي، وإذا جاءك الكتاب مختومًا عليه بكمالِهِ فلا تقبَلْ ولا تُمْضِ ما فيه. فامتَعَ عندَ ذلك خازنُه أنْ يقبلَ ما بعثَ به المنصور، فأرسلَ المنصورُ بعد ذلك إليه منْ أخذَ جميعَ ذلك. وقتَلَ ذلك الرجلَ الخازن.

وكتب المنصور إلى أبي داود إبراهيمَ بنِ خالد بإمْرَةِ خُراسان كما وَعَدهُ قبلَ ذلك عوضًا عن أبي مسلم.

وفي هذه السنة خرج سنباذ يطلُبُ بدمِ أبي مسلم، وقد كان سنباذُ هذا مجوسيًّا، تغلَّبَ على قُومِسَ (١) وأصبهان، ويُسمَّى بفيروز إصْبَهَبذ، فبعث إليه أبو جعفر المنصور جيشًا هم عشرة آلاف فارس، عليهم جَهْوَر بن مرار العِجْلي، فالتقَوْا بين هَمَذانَ والرَّيِّ بالمفازة، فهزم جَهْوَرُ لسنباذ، وقتل من أصحابِهِ ستينِ ألفًا وسَبَى ذرارِيَّهُمْ ونساءَهم، وقتل سنباذَ بعدَ ذلك، فكانتْ أيامُهُ سبعينَ يومًا، وأخَذَ ما كان استحوَذ عليهِ من أموالِ أبي مسلمٍ التي كانتْ بالرَّيّ (٢).

وخرج في هذه السنةِ أيضًا رجلٌ يُقالُ له مُلْبد بن حَرْمَلة الشيباني في ألفٍ من الخوارجِ بالجزيرة، فجهَّزَ إليه المنصورُ جيوشًا متعدِّدة كثيفة، كلُّها تنفرُ منه وتنكسِر، ثم قاتله حُميدُ بن قحطبة نائبُ الجزيرةِ فهزمَهُ مُلْبِد، وتحصَّنَ منه حُميد في بعضِ الحُصون، ثم صَالحَهُ حُميد بن قَحْطَبة على مئةِ ألف، فدفعها إليه وقَبِلَها مُلْبِد وانقلعَ عنه (٣).

وحج بالناس في هذه السنة عمُّ الخليفة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس، قال الواقدي: وكان نائبَ المَوْصِل - يعني عمَّ المنصور - وعلى نيابةِ الكوفةِ عيسى بن موسى، وعلى البصرة سليمان بن علي، وعلى الجزيرة حُميد بن قحطبة، وعلى مصر صالح بن علي، وعلى خراسان أبو داود إبراهيم بن خالد، وعلى الحجاز زياد بن عبد الله. ولم يكن للناس في هذه السنة صائفةٌ لشُغلِ الخليفةِ بسنباذ وغيرِه.


(١) قُومِس: بالضم ثم السكون وكسر الميم وسين مهملة: هي تعريب كومس، وهي كُورةٌ كبيرة واسعة، تشتمل على مدنٍ وقُرىً ومزارع، وهي في ذيلِ جبالِ طَبَرسْتان، وأكبر ما يكون في ولاية ملكها وقصبتها المشهورة دامغان، وهي بين الري ونيسابور. معجم البلدان (٤/ ٤١٤).
(٢) انظر تاريخ الطبري (٤/ ٣٨٨).
(٣) انظر تاريخ الطبري (٤/ ٣٨٨،٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>