للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصورُ وهو في هَوْدَجه، فناداهُ عبدُ اللّه بن حسن: واللّه يا أبا جعفر ما هكذا صنَعْنا بأسراكُمْ يومَ بَدْر! فأخسأ ذلك المنصور، وثَقُلَ عليه، ونفرَ عنهم. ولما انتهَوْا إلى العراق حُبسوا بالهاشمية وكان فيهم محمدُ بن إبراهيم بن عبدِ اللّه بن حسن، وكان جميلًا فتيًا، فكان الناس يذهبون لينظروا إلى حُسنهِ وجَمَالِه، وكان يُقال له الدِّيباج الأصفر، فأحضرَهُ المنصورُ بين يديه وقال له: أما لأقتلَنَّكَ قتلةً ما قتلتُها أحدًا. ثم ألقاهُ بين أسْطُوانتَيْن، وسدَّ عليه حتى مات. فعلى المنصورِ ما يَسْتَحِقُّهُ من عذابِ اللّهِ ولعنتِه.

وقد هَلَك كثيرٌ منهم في السجن، حتى فرِّجَ عنهم بعدَ هلاكِ المنصور على ما سنذكُرُه. فكان فيمن هلَكَ في السجن عبدُ اللّه بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب؛ وقد قيل: والأظهَرُ أَنَّهُ قُتل صبرًا، وأخوهُ إبراهيمُ بن الحسن وغيرُهما؛ وقل منْ خرَجَ منهم من الحَبْس؛ وقد جعلَهُمُ المنصورُ في سجنٍ لا يسمعون فيه أذانًا ولا يعرفون فيه وقتَ صلاة إلَّا بالتلاوة. ثم بعث أهلُ خراسانَ يَشفعونَ في محمدِ بنِ عبدِ الله العثماني، فأمر به فضُربَتْ عُنقُه، وأرسل برأسِهِ إلى أهلِ خُراسان - لا جزاهُ الله خيرًا - ورحم اللّه محمدَ بن عبدِ اللّه العثماني، وهو:

محمد بن عبدِ اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي (١) ، أبو عبدِ الله المدني المعروف بالدِّيباج لِحُسْنِ وجههِ، وأمُّهُ فاطمةُ بنت الحسين بن علي. رَوَى الحديثَ عن أبيه وأُمِّه، وخارجةَ بنِ زيد، وطاوس، وأبي الزناد، والزُّهْري، ونافع، وغيرِهم. وحاث عنه جماعة، ووثَّقَهُ النَّسائي وابنُ حبَّان. وكان أخا عبدِ الله بنِ حسن لأمِّه. وكانتِ ابنتُه رُقيَّة زوجةَ ابنِ أخيه إبراهيم بن عبدِ اللّه، وكانتْ من أحسنِ النساء، وبِسَبَبِها قَتَلهُ أبو جعفر المنصور في هذه السنة، وكان كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا.

قال الزُّبير بن بَكَّار: أنشَدَني سليمانُ بن عباس السَّعدي لأبي وَجْزَةَ السَّعْدي يَمْدَحُه:

وجدْنا الْمَحْضَ الأبيضِ من قريشٍ … فَتًى بين الخليفةِ والرسولِ

أتاك المجدُ من هذا وهذا (٢) … وكنتَ له بِمُعْتَلجِ السُّيُولِ

فما للمجد دونك منْ مَبيتٍ … وما للمجدِ دونك منْ مَقيلِ

ولا يمضي وراءك يبتغيهِ … ولا هو قابلٌ بكَ منْ بَدِيل (٣)


(١) ترجمته في التاريخ الكبير للبخاري (١/ ١٣٨)، التاريخ الصغير له (٢/ ٨١)، معرفة الثقات للعجلي (٢/ ٢٤٢)، الثقات لابن حبان (٧/ ٤١٧)، الكامل في الضعفاء لابن عدي (٦/ ٢١٨)، تاريخ بغداد (٥/ ٣٨٥)، تهذيب الكمال (٢٥/ ٥١٦)، المقتنى في سرد الكنى للذهبي (١/ ٣٥٥)، لسان الميزان (٧/ ٣٦٤)، نزهة الألباب في الألقاب ص (٢٦٩، ٢٧٠)، التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للسخاوي (٢/ ٤٩٨).
(٢) في (ب): "من هنا وهنا". وكذا في مصادر التخريج. والمثبت من (ح).
(٣) الأبيات في تاريخ بغداد (٥/ ٣٨٧)، وتهذيب الكمال (٢٥/ ٥٢١)، والبيت الأول منها في التحفة اللطيفة (٢/ ٤٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>