أربعةُ أعمام، فاستجاب له اثنان، أحدُهُما جَدُّنا، وكفر اثنان، أحدُهما أبوك - يعني جدَّهُ أبا طالب - فقطع الله ولايتهما منه، ولم يجعلْ بينهما إلَّا ولا ذِمَّة، وقد أنزل اللّه في عدم إسلامِ أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]؛ وقد فَخرْتَ به وأنَّهُ أخَفُّ أهلِ النار عذابًا، وليس في الشرِّ خِيَار، ولا ينبغي لمؤمنٍ أنْ يفخرَ بأهلِ النار؛ وفخرتَ بأن عليًا ولَدَهُ هاشم مرَّتَيْن، وأنَّ حسنًا ولَدَهُ عبدُ المطلب مرَّتين، فهذا رسولُ اللّه ﷺ إنما ولَدَهُ عبدُ اللّه مرةً واحدة؛ وقولُكَ إنَّكَ لم تلِدْكَ أمهاتُ أولاد؛ فهذا إبراهيمُ ابنُ الرسول ﷺ من مارية، وهو خيرٌ منك، وعليُّ بن الحسن منْ أُمِّ وَلَد، وهو خير منك، وكذلك ابنُه محمد بن علي، وابنُه جعفر بن محمد جَدَّاتُهما أمهاتُ أولاد، وهما خيرٌ منك، وأما قولُكَ بنو الرسولِ فقد قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]؛ وقد جاءتِ السنَّةُ التي لا خلافَ فيها بين المسلمين أنَّ الجَدَّ أبا الأمِّ والخال والخالة لا يُورَّثون، ولم يكنْ لفاطمةَ مِيراثٌ من رسولِ اللّه ﷺ بنَصِّ الحديث، وقد مَرض رسولُ اللّه ﷺ وأبوك حاضر، فلم يأمُرْهُ بالصلاةِ بالناس، بل أمَرَ غيرَه؛ ولما تُوفي لم يَعْدِلِ الناسُ بأبي بكرٍ وعُمرَ أحدًا، ثم قدَّموا عليه عثمانَ في الشُّورى والخلافة؛ ثم لما قُتل عثمان اتَّهمَهُ بعضُهم به، وقاتله طلحةُ والزبير على ذلك وامتنع سعد من مبايعتِه، ثم بعد ذلك معاوية، ثم طلبها أبوك وقاتل عليها الرجال، ثم اتفق على التحكيم فلم يَفِ به، ثم صارت إلى الحسن فباعَها بِخِرَقٍ ودراهم، وأقام بالحجاز مالًا من غيرِ حِلِّه، وسلَّم الأمرَ إلى غيرِ أهله، وترك شيعَتَهُ في أيدي بني أميةَ ومعاوية. فإنْ كانتْ لكم فقد تركتموها وبعتموها بثمنِها؛ ثم خرج عمُّكَ حُسينٌ على ابن مَرْجانة، وكان الناسُ معهُ عليه، حتى قتلوه وأتَوْا برأسِهِ إليه، ثم خرجتم على بني أمية فقتلوكم وصلبوكم على جُذوع النخل، وحرقوكم بالنار، وحملوا نساءكم على الإبل كالسبايا إلى الشام، حتى خرَجْنا عليهم نحن، فأخَذْنا بثأركم وأدْرَكْنا بدمائكم وأورثناكم أرضَهم وديارَهم، وذكَرْنا فضلَ سَلَفكمْ، فجعلتَ ذلك حُجَّةً علينا، وظننتَ أنَّا إنَّما ذكَرْنا فَضْلَهُ على أمثالِه، على حمزةَ والعباس وجعفر، وليس الأمر كما زعمت، فإن هؤلاء مضوْا ولم يدخلوا الفِتَن، وسَلِموا من الدنيا، فلم تنقصْهم شيئًا، فاستوفوا ثوابَهم كاملًا، وابتُليَ بذلك أبوك، وكانتْ بنو أمية تَلْعنُهُ كما تلعنُ الكفرةَ في الصلواتِ المكتوبات، فأحيينا ذكرَه، وذكَرْنا فضلَه، وعنَّفْناهم بما نالوا منه. وقد علمتَ أنَّ مَكْرُمتنا في الجاهلية بسقاية الحجيج الأعظم، وخدمةِ زَمْزَم، وحَكَمَ رسولُ اللّه ﷺ لنا بها، ولما قُحط الناس زمنَ عمر استَسْقى بأبينا العباس، وتوسَّل به إلى ربِّه، وأبوكَ حاضِر، وقد علمتَ أنه لم يبقَ أحدٌ من بني عبد المطلب بعد رسولِ الله ﷺ إلا العباس، فالسقايةُ سقايتُه، والوراثةُ وِرَاثته، والخلافةُ في وَلَدِه، فلم يبق شرَفٌ في الجاهلية والإسلام (١) إلا والعباس وارِثُهُ ومُوَرثه. في كلامٍ طويل، فيه بحثٌ ومناظرةٌ وفصاحة، وقد استقصاهُ ابنُ جرير بطوله، واللّه سبحانه أعلم.
(١) في (ب، ح): "في الدنيا والآخرة"، والمثبت من (ق) وتاريخ الطبري.