للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله : "قال لي جِبْريْلُ: يا مُحَمد لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنا أغُطّهُ وَأَدُسُّ مِنَ الحالِ في فِيْهِ مَخَافَةَ أنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللهِ فَيَغْفِر لَهُ". يعني: فرعون (١).

وقد أرسله غير واحد من السّلف كإبراهيم التيمي، وقتادة، وميمون بن مهران، ويقال: إن الضحاك بن قيس خطب به الناس. وفي بعض الروايات أنّ جبريل قال: ما بغضت أحدًا بغضي لفرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى، ولقد جَعَلت أدسُّ في فيه الطين حين قال ما قال.

وقوله تعالى: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ استفهام إنكارٍ، ونصّ على عدم قبوله تعالى منه ذلك، لأنه -والله أعلم- لو رُدَّ إلى الدنيا كما كان لعادَ إلى ما كان عليه، كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عايَنُوا النارَ وشاهدوها أنَّهم يقولون: ﴿يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال الله تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٧ - ٢٨] وقوله: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ قال ابن عباس وغير واحد: شكَّ بعضُ بني إسرائيل في موت فرعون، حتى قال بعضهم: إنه لا يموت، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع. قيل: على وجه الماء، وقيل: على نَجْوَةٍ (٢) من الأرض وعليه درعُه التي يعرفونها من ملابسه ليتحقّقوا بذلك هلاكه، ويعلموا قدرة الله عليه. ولهذا قال: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ أي: مصاحبًا درعك المعروفة بك ﴿لِتَكُونَ﴾ أي أنت آية ﴿لِمَنْ خَلْفَكَ﴾ أي من بني إسرائيل، دليلًا على قدرة الله الذي أهلكه. ولهذا قرأ بعض السلف: ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْقَكَ آيَةً﴾ (٣).

ويحتمل أن يكون المراد ننجّيك مصاحبًا درعك لتكون درعُك علامةً لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وأنّك هُلِكْت. والله أعلم.

وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء، كما قال الإمام البخاري في "صحيحه": حَدَّثَنَا محمد بن بشار (٤)، حَدَّثَنَا غُندَر، حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي بشير، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قدم النبي المدينة واليهودُ تصوم عاشوراء (٥) فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، قال


(١) ورواه الطبراني في "الأوسط" رقم (٥٨٢٣) وفي سنده قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري، وضعفه جماعة، والصحيح وقفه على ابن عباس كما مر.
(٢) النجوة: ما ارتفع من الأرض.
(٣) في حاشية أ: بالقاف، أي: ولتكون لخالقك آية كسائر آياته. وهي قراءة علي بن أبي طالب . البحر المحيط (٥/ ١٨٩).
(٤) هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر، لقبه بندار، لأنه كان بندار حديث بلده، أي جمع حديث بلده.
(٥) في ط: يوم عاشوراء.