للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من العامة، فكانت لهنَّ السَّطوة عليهم، واستمرت هذه سُنَّة نساء مصر إلى يومك هذا.

وعند أهل الكتاب: أنَّ بني إسرائيل لما أُمِروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك الشهر أول سَنَتهم، وأُمروا أن يذبح كلُّ أهل بيت حَمَلًا من الغنم، فإن كانوا لا يحتاجون إلى حَمَل فليشترك الجار وجاره فيه، فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه على أعتاب أبوابهم ليكون علامة لهم على بيوتهم ولا يأكلوه مطبوخًا ولكن مشويًا برأسه وأكارعه وبطنه، ولا يُبقوا منه شيئًا، ولا يكسروا له عظمًا، ولا يُخرجوا منه شيئًا إلى خارج بيوتهم، وليكن خبزهم فطيرًا سبعة أيام، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأوّل من سَنتهم، وكان ذلك في فصل الربيع، فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودةً، وخفافهم في أرجلهم، وعصيهم في أيديهم، وليأكلوا بسرعةٍ قيامًا. ومهما فَضُل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار، وشُرعَ هذا لهم عيدًا لأعقابهم مادامت التوراة معمولًا بها، فإذا نُسخت بَطَل شرعُها. وقد وقع.

قالوا: وقتل الله ﷿ في تلك الليلة أبكارَ القِبط وأبكارَ دوابهم؛ ليشتغلوا عنهم، وخرج بنو إسرائيل حتى انتصف الليل (١)، وأهل مصر في مناحةٍ عظيمةٍ على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم، ليس من بيت إلا وفيه عويلٌ. وحين جاء الوَحي إلى موسى خرجوا مُسرعين، فحملوا العجينَ قبل اختماره وحملوا الأزواد في الأردية وألقوها على عواتقهم. وكانوا استعاروا من أهل مصر حُليًّا كثيرًا، فخرجوا وهم ستمئة ألف رجلٍ سوى الذراري بما معهم من الأنعام، وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمئة سنةٍ وثلاثين سنةً. هذا نصُّ كتابهم.

وهذه السَّنة عندهم تسمى سنة الفسخ، وهذا العيد عيد الفسخ (٢). ولهم عيد الفَطير وعيد الحَمَل وهو أَوَّل السنة. وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم، منصوص عليها في كتابهم.

ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف وخرجوا على طريق بحر سوف. وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم، فيه عامود نور، وبالليل أمامهم عامود نار، فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر، فنزلوا هنالك، وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين وهم هناك حلول على شاطئ اليم، فقلق كثير من بني إسرائيل، حتى قال قائلهم: كان بقاؤنا بمصر أحبَّ إلينا من الموت بهذه البرِّيَّة. وقال موسى لمن قال هذه المقالة: لا تخشَوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا.

قالوا: وأمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه وأن يقسمه وليَدْخُلَ بنو إسرائيل في البحر


(١) في ط: النهار.
(٢) في حاشية أ وب: الفصح، وفي اللسان: والفِصح، بالكسر: فطر النصارى، وهو عيد لهم. وأفصحوا: جاء فصحهم، وهو إذا أفطروا وأكلوا اللحم (فصح).