للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها بنى المهديُّ مسجدَ الرُّصافة وخندقَها. وفيها جهَّز جيشًا كثيفًا إلى بلادِ الهند، فوصلوا إليها في السنة الآتية، وكان من أمرِهم ما سنذكرُه. وفيها تُوفي نائبُ السِّند مَعْبَد بن الخليل فولَّى المهديُّ مكانَهُ رَوْحَ بن حاتم بمشورةِ وزيرِه أبي عبدِ اللَّه. وفيها أطلق المهديُّ مَنْ كان في السُّجون إلَّا منْ كان محبوسًا على دم، أو منْ سَعَى في الأرض فسادًا، أو منْ كان عندَهُ حَقٌّ لأحد. وكان من جُملة من أُخرج من الْمُطْبَق يعقوبُ بن داود مولى بني سُليم، والحسن بن إبراهيم بن عبدِ اللَّه بن حسن، وأمرَ بصيرورةِ حسنٍ هذا إلى نصير الخادم لِيَحْتَرِزَ عليه. وكان الحسنُ قد عَزَمَ على الهرَبِ من السِّجْنِ فبلَ خروجِهِ منه، فلما خرجَ يعقوبُ بن داود ناصَحَ الخليفةَ بما كان عزَمَ عليه؛ فنقله من السجن وأودَعَه عند نصير الخادم ليحتاطَ عليه. وحَظِيَ يعقوبُ بن داود عند المهدي جدًّا حتى صار يدخلُ عليه في الليلِ بلا استئذانٍ؛ وجعله على أمورٍ كثيرة، وأطلق له مئةَ ألفِ درهم؛ وما زال عنده كذلك حتى تمكَّنَ المهديُّ من الحسن بن إبراهيم، فسقطت منْزِلةُ يعقوب عنده. وقد عزل المهديُّ نُوّابًا كثيرة عن البلاد، وولَّى بدلهم.

وفي هذه السنة تزوَّج المهديُّ بابنةِ عمه أمِّ عبدِ اللَّه بنت صالح بن علي، وأعتق جاريتَهُ الخَيْزُرَان، وتزوَّجَها أيضًا، وهي أمُّ الرَّشيد، وفيها وقَعَ حريقٌ عظيم في السُّفُنِ التي في دِجْلَةِ بغداد. ولمّا وَليَ المهديُّ سأل عيسى بنَ موسى -وكان وليَّ العَهْدِ بعدَه- أنْ يَخلَعَ نفسَهُ من الأمر؛ فامتنع على الْمَهْديّ؛ وسألَ المهديَّ أنْ يُقيم بأرضِ الكوفة في ضيعةٍ له، فأذِنَ له وكان قد استقرَّ على إمرةِ الكوفة رَوْحُ بن حاتم، فكتب إلى المهدي: إنَّ عيسى بن موسى لا يأتي الجمعةَ ولا الجماعةَ مع الناس إلا شَهْرين من السنة؛ وإنه إذا جاء يدخلُ بدوابَّه داخلَ بابِ المسجد، فتروثُ دوابُّه حيثُ يُصلي الناس. فكتب إليه المهدي أنْ يعملَ خشبًا على أفواهِ السِّكَكِ حتى لا يَصِلَ الناسُ إلى المسجدِ إلا مُشاةً. فعلم بذلك عيسى بن موسى، فاشترى قبلَ الجمعة دارَ المختارِ بن أبي عُبيد من ورَثَتِه، وكانت ملاصقةً للمسجد، وكان يأتي إليها من يوم الخميس فإذا كان يومُ الجمعة ركب حمارًا إلى بابِ المسجد، فنَزَل إلى هناك، وشهد الصلاة مع الناس، وأقام بالكلية بالكوفةِ بأهلِه، ثم ألَحَّ عليه المهديُّ في أنْ يخلعَ نفسَهُ، وتوعَّدَهُ إنْ لم يفعلْ، ووعَدَه إنْ فعل. فأجابه إلى ذلك، فأعطاه أقطاعًا عظيمة، وأعطاهُ من المال عشرةَ آلافِ ألف، وقيل عشرين ألفَ ألف، وبايع المهديُّ لولدَيْه من بعدِه موسى الهادي، ثم هارون الرشيد كما سيأتي.

وحجَّ بالناس يزيدُ بن منصور خالُ المهدي، وكان نائبًا على اليمن، فولاهُ الموسم، واستقدمه عليه شوقًا إليه. وغالبُ نوَّاب البلاد عزَلَهم المهدي، غيرَ أنَّ إفْريقيَةَ مع يزيدَ بنِ حاتم، وعلى مصر محمد بن سليمان أبو ضَمْرَة، وعلى خُرَاسان أبو عَوْن، وعلى السِّنْد بِسْطامُ بن عمرو، وعلى الأهواز وفارس عمارة بن حمزة، وعلى اليمن رجاء بن رَوْح، وعلى اليمامةِ بشر بن المنذر، وعلى الجزيرة الفضلُ بن صالح، وعلى المدينة عُبيد اللَّه بن صفوان الجُمَحي، وعلى مكةَ والطائف إبراهيم بن يحيى، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>