للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في لحافٍ واحد، وهما على الفاحشة، فأمرتُ بجزِّ رقابِهما. ثم أمر برفع رؤوسِهما من بين يديه، ورجعَ إلى حديثِه الأول كأنه لم يصنَعْ شيئًا. وكان شهمًا خبيرًا بالْمُلك، كريمًا. ومن كلامه: ما أُصلحَ الملكُ بمثل تعجيلِ العُقوبة للجاني، والعفو عن الزلَّات، ليقلَّ الطمعُ عن الملك.

وغضِبَ يومًا من رجل، فاستَرْضَى عنه، فرَضِي، فشرَعَ الرجلُ يعتذِر، فقال الهادي: إنَّ الرِّضا كفاكَ مؤنة الاعتذار.

وعرى رجلًا في ولدِه فقال له: أسرَّك وهو عدوٌّ وفتنة، وأحزَنَكَ وهو صلاةٌ ورحمة؟.

وروى الزبير بن بكَّار أنَّ مروان بن أبي حَفْصَة أنشدَ الهادي قصيدةً له منها قوله:

تشابَهَ يوما بأسُه ونوالُه … فما أحدٌ يَدْري لأيُّهما الفضلُ

فقال له الهادي: أيُّما أحبُّ إليك؟ ثلاثون ألفًا معجَّلة؟ أو مئةُ ألفٍ تدورُ في الدواوين؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أوَ أحسنُ من ذلك؟ قال: ما هو؟ قال: ثلاثون ألفًا معجَّلة، ومئةُ ألفٍ تدورُ بالدواوين. فقال: أو أحسنُ من ذلك؟ نعجِّل الجميع لك. فأمَرَ له بمئةِ ألفٍ وثلاثين ألفًا معجَّلة.

قال الخطيب البغدادي (١): حدّثني الأزهري حدّثنا سهل بن أحمد الديباجي حدّثنا الصولي حدَّثنا [ابنُ] الغلابي، حدّثني محمد بن عبد الرحمن التيمي المكي، حدّثني المطلب بن عُكاشة الْمُزني، قال: قدمنا على أبي محمد الهادي شهودًا على رجلٍ منَّا أنه شتَمَ قريشًا وتخطَّى إلى ذكرِ رسولِ اللَّه ، فجلس لنا مجلسًا أحضَرَ فيه فقهاءَ أهلِ زمانِه، ومنْ كان بالحضرةِ على بابه، وأُحضر الرجلُ، وأحضرنا فشَهِدنا عليه بما سمعنا منه، فتغيَّرَ وجهُ الهادي، ثم نكس رأسه، ثم رفعه، ثم قال: إني سمعتُ أبي المهدي يحدِّثُ عن أبيه المنصور عن أبيه محمد، عن أبيه عليٍّ بن عبدِ اللَّه بن عباس قال: منْ أهانَ قريشًا أهانَهُ اللَّه. وأنتَ يا عدوَّ اللَّه، لم ترضَ بأنْ أردتَ ذلك من قريش، حتى تخطيتَ إلى ذكرِ رسولِ اللَّه ! اضرِبوا عنُقَه. فما بَرِحْنَا حتى قُتل.

تُوفِّي الهادي في ربيع الأول من هذه السنة، وصلَّى عليه أخوهُ هارون، ودُفن في قصرٍ بناهُ وسمَّاه الأبيض بعيساباذ من الجانب الشرقيِّ من بغداد. وكان له من الوَلَد تسعة، سبعةٌ ذُكور وابنتان، فالذكور: جعفر، وعباس، وعبدُ اللَّه، وإسحاق، وإسماعيل، وسليمان، وموسى الأعمى، الذي ولد بعد وفاته، فسُمِّيَ باسمِ أبيه. والبنتان هما: أمُّ عيسى التي تزوَّجها المأمون، وأمُّ العباس تُلقَّب تَوْبَة.


(١) في تاريخ بغداد (١٣/ ٢٢، ٢٣)، وما يأتي بين معقوفين منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>