للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المهدي ليشتريَها أعجبَتْه إلَّا دقةً في ساقَيْها، فقال لها: يا جارية إنكِ لعلى غايةِ الْمُنَى والجمال لولا حُمُوشَةٌ في ساقَيْكِ (١). فقالت: يا أميرَ المؤمنين إنك أحوَجُ ما تكونُ إليهما لا تراهما. فاستحسَنَ جوابَها واشتراها، وحَظِيَتْ عندَهُ جدًّا. وقد حَجَّتِ الخَيْزُران مرَّة في حياةِ المهدي، فكتب إليها وهي بمكَّة يستوحشُ لها ويتشوَّقُ إليها بهذا الشِّعْر:

نحن في غايةِ السرورِ ولكنْ … ليس إلَّا بكُمْ يتمُّ السرورُ

عَيْبُ ما نحن فيه يا أهلَ وُدِّي … أنَّكم غُيَّبٌ ونحنُ حُضُورُ

فأجدُّوا في السَّيرِ بل إنْ قَدَرْتُمْ … أنْ تطيروا مع الرياحِ فَطيروا

فأجابَتْهُ أو أمرَتْ منْ أجابَهُ:

قد أتانا الذي وصفتَ من الشَّوْ … قِ فَكِدْنا وما فعلنا نطيرُ (٢)

ليت أنَّ الرياحَ كُنَّ يؤدِّيْـ … ــنَ إليكمْ ما قَدْ يُكِنُّ (٣) الضميرُ

لم أزَلْ صبَّةً فإنْ كنتَ بعدي … في سرورٍ فدامَ ذاك السرورُ

وذكر أنه أهدَى إليها محمد بن سليمان نائبُ البصرة الذي مات في اليوم الذي ماتَتْ فيه مئة وَصِيفة، مع كلِّ وَصيفة (٤) جامٌ من فِضَّة مملوءٌ مسكًا. فكتبَتْ إليه: إنْ كان ما بعثتَهُ ثمنًا عن ظَنِّنا فيك فظننا فيك أكثرُ مما بعثت، وقد بَخَسْتَنا في الثمن؛ وإنْ كنتَ تُريد به زيادةَ المودَّة فقد اتَهمتَني في المودَّة. وردَّتْ ذلك عليه. وقد اشترتِ الدارَ المشهورةَ بها بمكة، المعروفة بدار الخَيْزُران، فزادَتْها في المسجدِ الحرام. وكان مَغَلُّ ضياعِها في كل سنةٍ ألفَ ألفٍ وستين ألفًا. واتَفَقَ موتُها ببغدادَ ليلةَ الجمعة لثلاثٍ بقينَ من جُمادَى الآخرة من هذه الستة. وخرج ابنُها الرَّشيد في جنازتِها وهو حاملٌ سريرَبها يخبّ في الطِّين فلما انهى إلى الْمَقْبُرَة أُتيَ بماءٍ، فغسل رجلَيْه، ولبس خُفًّا وصلَّى عليها، ونزلَ لحْدَها، فلما خرج من القبر أُتيَ بسريرٍ فجلس عليه، واستدعى بالفَضْلِ بنِ الرَّبيع، فولَّاهُ الخاتم والنفقات. وأنشد الرشيدُ قولَ ابنِ نُوَيْرة حين دفَنَ أمَّهُ الخيزُران:

وكنَّا كندمانَيْ جَذِيمَةَ بُرْهَة … من الدهرِ حتى قيل لنْ يتصدَّعا

فلما تفرَّقْنا كأني ومالكًا … لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا (٥)


(١) في (ق): "لولا دقة ساقيك وخموشهما". وهو تصحيف. والمثبت من (ب، ح)، والحموشة: الدِّقَّةُ.
(٢) في (ق): "فكدنا وما قدرنا نطير". والمثبت من (ب، ح).
(٣) في (ب، ح): "يجنُّ الضمير".
(٤) في (ب، ح): "مئة وصيف مع كل وصيف". والمثبت من (ق).
(٥) الشعر لمتمّم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا كما في الأغاني (١٥/ ٢٨٨، و ٢٩٨، ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>