للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها فوَّضَ الرشيدُ أمورَ الخلافةِ كلَّها إلى يحيى بنِ خالد بن بَرْمك. وفيها خرج الوليدُ بن طريف بالجزيرة، وحكم بها، وقتل خَلْقًا من أهلِها، ثم مَضَى منها إلى إرْمِينيَة، فكان من أمرِهِ ما سنذكُرُه. وفيها سار الفضلُ بن يحيى إلى خراسان، فأحسَنَ السيرةَ فيها، وبَنَى فيها الرُّبُط والمساجد، وغزا ما وراءَ النهر، واتَّخَذ بها جندًا من العَجَم، سَمَّاهُم العبَّاسيَّة، وجعل ولاءَهُمْ لَه، وكانوا نحوًا من خمسِمئةِ ألف، وبعثَ منهم نحوًا من عشرينَ ألفًا إلى بغداد، فكانوا يُعرفون بها بالكَرْنَبيَّة؛ وفي ذلك يقولُ مروانُ بن أبي حَفْصَة:

ما الفضلُ إلَّا شهابٌ لا أفُولَ لَهُ … عند الحروبِ إذا ما تأفُلُ الشُّهُبُ

حامٍ على مُلكِ قومٍ غرّ سهمهمُ … من الوراثةِ في أيديهمُ سَبَبُ

أمسَتْ يدٌ لبني ساقي الحَجيجِ بها … كتائبٌ مالَها في غيرِهمْ أرَبُ

كتائبٌ لبني العباسِ قد عَرَفتْ … ما ألَّفَ الفضلُ منها العُجْمُ والعرَبُ

أثبتَّ خمسَ مِئينٍ في عدادِهمُ … من الألوفِ التي أحْصَتْ لَها الكُتُبُ

يُقارعون عن القومِ الذينَ همُ … أولَى بأحمدَ في الفُرْقانِ إنْ نُسِبُوا

إنَّ الجوادَ بن يحيى الفضل لا وَرِقٌ … يبقَى على جودِ كفَّيْهِ ولا ذَهَبُ

ما مرَّ يومٌ له مُذْ شدَّ مِئزَرَهُ … إلَّا تموَّلَ أقوامٌ بما يَهبُ

كم غايةٍ في النَّدَى والبأسِ أحْرَزَها … للطالبينَ مداها دونَها تعَبُ

يُعْطِي اللُّهَى حين لا يُعطي الجوادُ ولا … يَنْبُو إذا سُلَّتِ الهنديَّةُ القُضُبُ

ولا الرِّضَا والرِّضا للَّهِ غايَتُهُ … إلى سوى الحقِّ يدعُوهُ ولا الغَضَبُ

قد فاض عرفُكَ حتى ما يُعادِلُهُ … غَيثٌ مُغيثٌ ولا بحرٌ لَهُ جَدَبُ

وكان قد أنشده قبلَ خروجه إلى خراسان:

ألم تَرَ أنَّ الجودَ من يدِ آدمٍ … تحدَّرَ حتى صار في راحةِ الفَضْلِ

إذا ما أبو العباسِ سَحَّتْ سماؤه … فيا لَكَ منْ هَطْلٍ ويا لَكَ من وَبْلِ

وقال فيه أيضًا:

إذا أُمُّ طفل راعها جوعُ طِفْلِها … دعَتْهُ بإسمِ الفضلِ فاعتصَمَ الطفلُ

ليحيى بك الإسلامُ إنَّكَ عِزُّهُ … وإنَّك من قومٍ صغيرُهُمُ كَهْلُ

قال: فأمرَ له بمئةِ ألف درهم. ذكره ابنُ جرير. وقال سَلْمٌ الخاسر فيهم أيضًا:

وكيف تخافُ من بؤسٍ بدارٍ … يُجاورُها البرامكةُ البحورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>