للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الملِكُ المأمولُ للبِرِّ والتُّقَى … وصَوْلاتُهُ لا يُستطاع خِطَارُها

وزيرُ أميرِ المؤمنينَ وسيفُهُ … ومُدْيَتُهُ (١) والحربُ تَدْمى شِفَارُها

ومنْ تُطْوَ أسرارُ الخليفةِ دونَهُ … فعندَكَ مأواها وأنتَ قرارُها

إذا ما ابنُ يحيى جعفرٌ قُصِدَتْ لَهُ … ملِمَّاتُ خَطْبٍ لم تَرُعْهُ كِبَارُها

لقد نشأتْ بالشامِ منكَ غمامةٌ … يؤمَّلُ جَدْواها ويُخْشى دَمارُها

وهي قصيدةٌ طويلة، اقتصرنا منها على هذا القَدْر (٢).

وكانتْ له فصاحة وبلاغةٌ وذكاءٌ وكرمٌ زائد؛ كان أبوهُ قد ضمَّهُ إلى القاضي أبي يُوسُف، فتفَقَّهَ عليه، وصار له اختصاصٌ بالرَّشيد. وقد وقَعَ ليلةَ بحضرَةِ الرشيد زيادةً على ألفِ توقيع، ولم يَخرجْ في شيءٍ منها عن مُوجبِ الفقه.

وقد روى الحديثَ عن أبيه، عن عبد الحميدِ الكاتب، عن عبد الملكِ بنِ مروان، كاتبِ عثمان، عن زيد بن ثابت، كاتبِ الوحي قال: قال رسولُ اللَّه : "إذا كتبتَ بسم اللَّه الرحمن الرحيم فبَيِّنِ السينَ فيه". رواه الخطيب وابنُ عساكر من طريق أبي القاسم الكَعْبي المتكلِّم، واسمه عبدُ اللَّه بنُ أحمد البَلْخي؛ وقد كان كاتبًا لمحمد بن زيد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن طاهر بن الحسين بن [مُصْعَب بن] رزيق (٣)، عن الفَضْلِ بن سهل ذي الرِّياستَيْن، عن جعفر بن يحيى، به (٤).

وقال عمرو بن بحر الجاحظ: قال جعفرٌ للرشيد: يا أميرَ المؤمنين، قال لي أبي يحيى: إذا أقبلَتِ الدنيا عليك فأعْطِ، فإنها لا تَفنى، وإذا أدبرَتْ فأعطِ، فإنَّها لا تبقى. وأنشدَني أبي:

لا تبخلَنَّ لدُنيا وهي مُقبلةٌ … فليس يَنْقصها التبذيرُ والسَّرَفُ

فإن تولَّت فأحرى أنْ تجودَ بها … فالحمدُ منها إذا ما أدبرَتْ خَلَفُ (٥)

قال الخطيب (٦): ولقد كان جعفرٌ من عُلُوِّ القَدْر، ونَفَاذِ الأمْر، وعِظَمِ المَحلّ، وجلالةِ المَنْزِلة عندَ الرشيد على حالةٍ انفَرَد بها، ولم يشارِكْهُ فيها أحد. وكانَ سَمْحَ الأخلاق، طَلْقَ الوَجْه، ظاهرَ البِشْر.


(١) المدية: السكين والشفرة، ورواية الديوان: "وصعدته".
(٢) وقد سبق للمؤلف أن ذكر منها أربعة أبيات في ص ٤٤٢ وذكرتُ ثمة أن القصيدة لمنصور النمري وهي في ديوانه.
(٣) تصحف في الأصول إلى "زريق"، والمثبت من الإكمال لابن ماكولا (٤/ ٥١) في ترجمته.
(٤) أخرجه بهذا الاسناد الخطيب في تاريخ بغداد (١٢/ ٣٤٠)، وما بين معقوفين منه. وذكر الحديث أيضًا الديلمي في الفردوس (١/ ٢٧٨) برقم (١٠٨٧)، والمناوي في فيض القدير (١/ ٤٣٣)، وإسناده ضعيف، وهو إلى الوضع أقرب كما بينه الدكتور بشار في تعليقه على طبعته من تاريخ الخطيب (١٤/ ٢٩٩).
(٥) الخبر والبيتان في مختصر ابن منظور لتاريخ ابن عساكر (٦/ ٩٨).
(٦) في تاريخ بغداد (٧/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>