للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إذا سأله سائلٌ في الطريق وهو راكب أقلُّ (١) ما يأمُرُ له بمئتي درهم. فقال رجلٌ يومًا:

يا سَميَّ الحَصُورِ يحيى أُتيحَتْ … لكَ من فضلِ رَبِّنا جَنَّتانِ

كل منْ مَرَّ في الطريقِ عليكُمْ … فلَهُ منْ نَوَالِكُمْ مِئتانِ

مِئتا دِرْهمٍ لِمِثْلي قليلٌ … هي منكمْ للفارسِ العَجْلانِ

فقال: صدَقْت. وأمرَ أنْ يُسبَق به إلى الدار، فلما رجَعَ سأل عنه، فإذا هو قد تزوَّج، وهو يريدُ أن يدخلَ على أهلِه، فأعطاهُ صداقها أربعةَ آلاف، وعن دار أربعةَ آلاف، وعن الأمتعةِ أربعةَ آلاف، وعن الدخول أربعة آلاف، وأربعة آلاف يستظهر بها.

وجاءَهُ رجلٌ يومًا فسأله شيئًا، فقال: وَيْحَك لقد جئتَني في وقتٍ لا أملِكُ فيه مالًا؛ ولكنْ بعث إليَّ صاحبٌ لي يطلُبُ مني أنْ يُهدي إليَّ ما أحب، وقد بلغني أنكَ تُريد أن تبيعَ جارية لك، وأنَّك فد أُعطيتَ فيها ثلاثةَ آلاف دينار، وإني ساطلُبها، فلا تَبِعْها منه بأقلَّ من ثلاثينَ ألفَ دينار. فجاؤوني فبلغوا معي بالمساومةِ إلى عشرين ألفَ دينار، فلما سمعتُها ضَعُفَ قلبي عن رَدِّها، وأجَبْتُ إلى بيعها، فأخَذَها، وأخذتُ العشرين ألفَ دينار، فأهداها إلى يحيى. فلما اجتمعتُ بيحيى قال: بكم بعتَها؟ قلتُ: بعشرين ألفَ دينار. قال: إنك لَخَسيس، خُذْ جاريتَك إليك. وقد بعث إليَّ صاحبُ فارس، يطلبُ مني أنْ أستهديَهُ شيئًا، وإني ساطلُبها منه، فلا تَبِعْها بأقلَّ من خمسينَ ألفَ دينار. فجاؤوني فوصلوا في ثمنِها إلى ثلاثين ألفَ دينار، فبعتُها منهم. فلمّا جئتُه لامني أيضًا وردَّها عليّ، فقلتُ: أُشهدُك أنَّها حُرَّة، وأني قد تزوَّجْتُها؛ وقلت: جاريةٌ قد أفادَتْني خمسين ألف دينار، لا أفرِّطُ فيها بعدَ اليوم (٢).

وذكر الخطيب، أنَّ الرشيد طلَبَ من منصورِ بنِ زياد عشرة آلاف ألف درهم، ولم يكنْ عندَهُ منها سوى ألفِ ألفِ درهم، فضاق ذَرْعًا، وقد توعَّده بالقتلِ وخرابِ الديار إنْ لم يحمِلْها في يومِه ذلك؛ فدخل على يحيى بنِ خالد، وذكرَ أمرَه، فاطلقَ له خمسةَ آلافِ ألف، واستطلق له من ابنِهِ الفضل ألفَيْ ألف، وقال لابنه: يا بُني، بلغَني أنك تُريدُ أن تشتريَ بها ضَيْعةً، وهذه ضيعةٌ تَغُلُّ الشكرَ وتبقى مدَى الدَّهر. وأخذ له من ابنِهِ جعفر ألفَ ألف، ومن جاريته دنانير عِقْدًا مُشتراه مئةُ ألف دينار، وعشرون ألف دينار، وقال للمترسّم عليه: قد حسبناهُ عليك بألفَيْ ألف. فلما عُرضتِ الأموالُ على الرشيد رَدَّ العِقْد، وكان قد وهبَهُ لجاريةِ يحيى، فلم يعدْ فيه بعدَ إذْ وَهَبه لها. وقال له بعضُ بنيه وهم في السجن والقيود: يا أبتِ، بعدَ الأمرِ والنَّهْي والنِّعْمة صِرْنا إلى هذا الحال؟! فقال: يا بُني، دعوةُ مظلومٍ سرَتْ بلَيلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفلِ اللَّه عنها. ثم أنشأ يقول:

رُبَّ قومٍ قد غدَوْا في نعمةٍ … زمنًا والدَّهْرُ ريَّانٌ غَدَقْ


(١) كذا في الأصول، والوجه (فأقلّ).
(٢) انظر الحكاية بأوضح مما هنا في تاريخ بغداد (١٤/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>