للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ شُومُ … وما زال المُسيءُ هو الظَّلُومُ

إلى دَيَّانِ يومِ الدِّينِ نَمْضي … وعندَ اللَّه تَجتمعُ الخُصومُ (١)

قال: فاستَدعاهُ واستجعله في حِلّ، ووهبَهُ ألفَ دينارٍ وأطلقَه.

وقال الحسين بن الفهم (٢): حدَّثنا محمد بن عباد، عن سفيان بن عُيينة قال: دخلتُ على الرشيد فقال: ما خبَرُك؟ فقلت:

بعينِ اللَّه ما تُخْفي البيوتُ … فقد طال التَّحمُّل والسكوتُ

فقال: يا فلان، مئة ألفٍ لابنِ عُيينة تُغْنيه وتُغْني عَقِبَه، ولا تضُرُّ الرشيدَ شيئًا (٣).

وقال الأصمعي: كنتُ مع الرشيدِ في الحج، فمرَرْنا بوادٍ، فإذا على شفيرِهِ امرأةٌ صَبيَّةٌ حسناء، بين يدَيْها قصعة، وهي تأكلُ منها وهي تقول:

طَحْطَحَتْنا طَحَاطِحُ الأعوامِ … ورَمَتْنا حوادثُ الأيَّامِ

فأتيناكُمُ نَمُدُّ أكُفًّا … نائلات لِزادِكُمْ والطَّعَامِ

فاطلُبوا الأجْرَ والمثوبَةَ فينا … أيُّها الزائرونَ بيتَ الحرامِ

مَنْ رآني فقد رآني ورَحْلي … فارْحَمُوا غُرْبَتي وذُلَّ مَقَامِي

قال الأصمعي: فذهبتُ إلى الرشيد، فأخبرتُهُ بأمرِها، فجاء بنفسِهِ حتى وقف عليها، فسمعَها، فرَحِمَها وبكى، وأمَرَ مسرورًا الخادمَ أنْ يَملأ قصعتهَا ذهبًا، فملأها حتى جعلَتْ تَفِيضُ يَمينًا وشِمالًا (٤).

وسمع مرَّة الرشيدُ أعرابيًا يَحْدو إبلَهُ في طريق الحج:

أيها المُجمِعُ هَمًّا لا تُهَمّ … إنك إنْ تُقْضى لكَ الحُمَّى تُحَمْ

كيف توَقِّيكَ وقد جَفَّ القلَمْ … حُطتِ الصِّحَّةُ منكَ والسَّقَم (٥)


(١) الأبيات والخبر في ديوان أبي العتاهية ص (٣٩٨). وتنسب إلى الإمام علي بن أبي طالب، وهي في ديوانه ص (١١٣).
(٢) في (ق): "الحسن بن أبي الفهم"، وهو تصحيف والمثبت من (ب، ح)؛ ولم أقف على ترجمة له، ولكن له ذكر وهو راوي كتاب "الطبقات الكبير" لابن سعد، وفي المطبوع منه زيادات على ابن سعد طبعت مع النص. وهو أبو علي الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الفهم. انظر طبقات ابن سعد (٣/ ٥٤٢، ٧/ ٣٥٧)، وتهذيب الكمال (٢/ ١٢٩، و ٣/ ١٥، ١٥٩، و ٨/ ٣٠١، و ١٧/ ١٨٠، و ٣١/ ٢١٢).
(٣) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور (٢٧/ ٢٣).
(٤) انظر مختصر ابن عساكر لابن منظور (٢٧/ ٢٣، ٢٤).
(٥) الخبر والبيتان في مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور (٢٧/ ٢٤)، وقد روى ابنُ قتيبة البيتين في تأويل مختلف =

<<  <  ج: ص:  >  >>