للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جيشُ الأمين؛ وخلَعَه، وأخذَ البيعةَ لعبدِ اللَّه المأمون، وذلك يوم الأحد الحادي عشرَ من شهرِ رجب من هذه السنة. ولما كان يومُ الثلاثاء نقل الأمين من قصرِهِ إلى قصرِ أبي جعفر وسطَ بغداد، وضيَّق عليه وقيَّده واضطهده، وأمر العباسُ بن عيسى بن موسى أمَّه زُبيدة أن تنتقلَ إلى هناك، فامتنَعَتْ، فضربَها (١) بالسَّوْط، وقهرَها على الانتقال، فانتقلت مع أولادِها، فلما أصبح الناسُ يومَ الأربعاء طلبوا من الحسين بن علي أُعطيَاتِهم، واختلفوا عليه، وصار أهلُ بغدادَ فِرْقَتَيْن؛ فِرقةٌ مع الأمين، وفرقةٌ عليه، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فغلب حِزْبُ الخليفةِ أولئك، وأسَروا الحسينَ بن عليّ بن عيسى بن ماهان، وقيَّدوه، ودخلوا به على الخليفة، ففكُّوا عنه قيودَه، وأجلسوهُ على سريرِه؛ فعند ذلك أمَرَ الخليفةُ منْ لم يكنْ معه سلاحٌ من العامَّة أنْ يُعْطى سلاحًا من الخزائن، فانتهبَ الناسُ الخزائنَ التي فيها السلاحُ بسببِ ذلك؛ وأمر الأمينُ، فأُتي بالحسين بنِ عليِّ بن عيسى، فلامَهُ على ما صدَرَ منه، فاعتذر إليه بأنَّ عفوَ الخليفةِ حَمله على ذلك. فعَفا عنه وخلَعَ عليه واستوزَرَه وأعطاه الخاتم، وولَّاهُ ما وراءَ بابه، وولَّاهُ الحَرْب، وسَيَّرَهُ إلى حُلوان. فلمّا وصل إلى الجسر هرب في حاشيتِهِ وخدَمِه، فبعث إليه الأمينُ منْ يَرُدُّه. فركبتِ الخيولُ وراءَه، فأدركوه، فقاتلهم وقاتلوه فقتلوه، لمنتصف رجب، وجاؤوا برأسِهِ إلى الأمين، وجدَّد الناسُ البيعةَ للأمين يومَ الجمعة.

ولما قُتل الحسين بن علي بن عيسى هرب الفضلُ بن الربيع الحاجب، واستحوذ طاهر بن الحسين على أكثرِ البلاد للمأمون، واستنابَ بها النُّوَّاب، وخلعَ أكثرُ أهلِ الأقاليم الأمينَ وبايعوا المأمون، ودنا طاهرٌ إلى المدائن، فأخذها مع واسطَ وأعمالِها، واستناب من جهتِهِ على الحجازِ واليمنِ والجزيرةِ والموصل، وغير ذلك، ولم يبقَ مع الأمينِ من البلادِ إلا القليل.

وفي شعبانَ منها عقَدَ الأمينُ أربعَمئةِ لواء، مع كلِّ لواءٍ أمير، وبعثَهُم لقتالِ هَرْثَمة بن أعين، فالتقَوْا في شهر رمضان، فكسَرَهم هَرْثَمة، وأسر مقدَّمَهم عليَّ بن محمد بن عيسى بن نَهيك، وبعث به إلى المأمون. وهرب جماعةٌ من جُند طاهر، فساروا إلى الأمين، فأعطاهم أموالًا كثيرة وأكرمهم، وغلَّفَ لِحاهُمْ بالغالِيَة (٢)، فسُمُّوا جيشَ الغالية، ثم ندَبَهم الأمين، وأرسل معهم جيشًا كثيفًا لقتالِ طاهر، فهزمهم طاهرٌ وفرَّق شملَهم، وأخذ ما كان معهم، واقترب طاهرٌ من بغداد فحاصرها، وبعث القُصَّاد والجواسيس، يُلْقون الفِتْنة بين الجُند، حتى تفرَّقوا شِيَعًا، ثم وقع (٣) بين الجيش، وسعَتِ (٤)


(١) في (ب، ح): "فقنعها بالسوط".
(٢) "الغَالية": نوعٌ من الطِّيب مُركَّب من مِسْك وعَنْبَر وعُود وَدُهْن، وهي مَعْروفة. والتَّغلُّف بها: التّلَطُّخ. النهاية في غريب الحديث (٣/ ٣٨٣).
(٣) كذا في الأصول، ولعل الصواب: "أوقع".
(٤) في (ق): وتشعبت، وفي (ب): وشعث، والمثبت من (ح).

<<  <  ج: ص:  >  >>