للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما تحقق طاهر ذلك سعَى في النقلة من بين يديه، ولم يزل حتَّى ولاه المأمون خراسان، وأطلق له خادمًا من خدامه، وعهد إلى الخادم إن رأى منه شيئًا يريبه أن يسمَّه (١).

فلما خطب يوم الجمعة ولم يَدْعُ للمأمون سمَّه الخادمُ في كامَخٍ (٢) فمات من ليلته.

وقد كان طاهرٌ هذا يقال له: ذو اليمينين، وكان بفرد عين. فقال فيه عمرو بن بانة (٣).

يا ذا اليمينينِ وعَينٍ واحِدَهْ … نُقْصَانُ عَيْنٍ ويَمينٌ زائدَهْ

واختلف في معنى كونه ذا اليمينين، فقيل: لأنه ضَرَبَ رجلًا بشماله فقدَّه نصفين، ويحتمل أنَّه لُقِّبَ بذلك؛ لأنَّه وُلِّي العراقَ وخراسانَ. وقد كان كريمًا ممدّحًا، يحبُّ الشعر (٤) ويجزي عليهْ الجزيلَ؛ ركب يومًا في حرَّاقةٍ، فقال فيه شاعرٌ (٥):

عجبتُ لحرَّاقةِ (٦) ابنِ الحسينِ … لا غرقَتْ كيفَ لا تَغْرَقُ

وبَحْرانِ من فوقها واحدٌ … وآخَرُ مِن تحتِها مُطبِقُ

وأعجبُ مِن ذاك أعْوادُها … وقد مسَّها كيفَ لا تُورِقُ

فأجازَهُ بثلاثة آلاف دينار. وقال: إن زدتنا زدناك. قال ابن خلّكان (٧): وما أحسَنَ ما قاله بعضُ الشعراء في بعضِ الرؤساء وقد ركب البحرَ:

ولمَّا امْتَطَى البَحْرَ ابْتَهَلْتُ تضرُّعًا … إلى اللَّهِ يا مُجرِي الرِّياحِ بلطفِهِ

جعلْتَ النَّدَى مِنْ كفِّهِ مثلَ مَوْجِهِ … فسلِّمْه واجْعَلْ مَوْجَهُ مثلَ كَفِّهِ


(١) بعده في ط: ودفع إليه سمًا لا يطاق.
(٢) "الكامَخُ": ما يؤتدم به، أو المُخَلَّلات المُشَهِّيَة، جمع كوامِخ، معرّب.
(٣) في ط: عمرو بن نباتة، تحريف. وهو عمرو بن محمد بن سليمان بن راشد، وبانة أمه، نسب إليها. نديم، من الشعراء العلماء بالغناء، وكان خصيصًا بالمتوكل العباسي، توفي سنة ٢٧٨ هـ.
الأغاني (١٥/ ٢٦٩) (دار الكتب)، وفيات الأعيان (٣/ ٤٧٩)، الأعلام (٥/ ٨٥)، والشعر في وفيات الأعيان (٢/ ٥٢٠)، والكامل لابن الأثير (٦/ ٣٨٢).
(٤) في أ، ط: الشعراء، وأثبت ما جاء في ظا، ب.
(٥) الأبيات في وفيات الأعيان (٢/ ٥١٩) قالها مُقدِّس من صيفي الخلوقي الشاعر. وهي في طبقات الشعراء (١٨٩) منسوبة إلى عوف بن ملحم.
(٦) "الحَرَّاقة": ضرب من السفن فيها مرامي نيران يُرمى بها العدوُّ في البحر. وسفينة خفيفة المرِّ.
(٧) وفيات الأعيان (٢/ ٥١٩) وقد ذكر البيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>