للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعث غلامَه إليه ومعه ذهب، فقال: أعطِه الذهب، وخذ ما معه من الخبز، [فجاء إليه، فدفع إليه الدنانير، وناوله الحَرَّاث ما معه من الخبز] (١)، فنظر شَريكُ الحَرَّاث إليه من بعيد وهو يأخذ من الخبز، فظنَّ أنه قد اغتصبه منه، فذهب إلى حصنٍ هناك فيه نائبٌ للخليفة يقال له: سهل بن سنباط، ليستعدي على ذلك الغلام، فركب بنفسه وجاء فوجد الغلام، فقال: ما خبرُك؟ فقال: لا شيء، إنما أعطيته دنانير وأخذت منه هذا الخبز. فقال: ومن أنت؟ فأراد أن يعمِّي عليه الخبر، فألَحَّ عليه، فقال: من غلمان بابَك، فقال: وأين هو؟ فقال: ها هو ذا جالس يريد الغداء. فسار إليه سهل بن سنباط، فلمَّا رآه ترجَّل وجاءه فقبَّل يده، وقال: يا سيديّ أين تريد؟ قال: أريدُ أن أدخلَ بلاد الروم، فقال: إلى عند مَن تذهب أحرز من حصني وأنا غلامُك وفي خدمتك؟ وما زال به حتى خدَعه وأخذه معه إلى الحصن، فأنزله عنده، وأجرى عليه النفقاتِ الكثيرةَ والتّحفَ وغير ذلك، وكتب إلى الأفشين يعلمه بذلك، فأرسل إليه أميرين لقبضه، فنزلا قريبًا من الحصن، وكتبا إلى ابن سنباط، فقال: أقيما مكانكما حتى يأتيكما أمري. وقال لبابك: إنَّك قد حصل لك غمّ وضِيق من هذا الحصن، وقد عزمْتُ على الخروج اليومَ إلى الصَّيد ومعنا بُزاةٌ وكلاب، فإنْ أحببت أن تخرج معنا لتنشرح؟ قال: نعم! فخرجوا وبعثَ ابنُ سنباط إلى الأميرين: أن كونا بمكان كذا وكذا، في وقت كذا وكذا من النهار، فلما كانوا بذلك الموضع أقبلَ الأميران بِمَنْ معهما من الجنود، فأحاطوا ببابَك (٢) وبابن سنباط، فلما رأوه جاؤوا إليه فقالوا: ترجَّلْ عن دابتك، فقال: ومن أنتما؟ فذكرا له أنهما من عند الأفشين، فترجَّل حينئذ عن دابته وعليه دُرَّاعة بيضاء، وعمامة بيضاء (٣)، وخُفّ قصير، وفي يده باز، فنظر إلى ابن سنباط، وقال: قبَّحك اللَّه! فهلا طلبْتَ منِّي من المال فكنت أعطيتك أكثرَ ممَّا يعطيك هؤلاء! ثم أركبوه وأخذوه معهما إلى الأفشين، فلما اقتربوا من بلد الأفشين فرح (٤)، فتلقاه وأمَر الناس أن يصطفُّوا صفين، وأن يترجّل بَابَك: فيدخل بين الناس وهو ماشٍ، ففعل ذلك، وكان يومًا مشهودًا جدًا. وكان ذلك في شوال من هذه السنة، ثم احتفظ به وهو في السجن عنده.

ثم كتب الأفشين إلى المعتصم يخبره بأنَّ بابَك في أسره، وقد استحضره وأخاه عبد اللَّه أيضًا. فكتب إليه المعتصم يأمره أن يقدم بهما عليه إلى بغداد، فتجهَّز بهما إلى بغداد في تمام هذه السنة.

وحجَّ بالناس فيها محمد بن داود المتقدِّم ذكره.


(١) ما بين قوسين زيادة من ظا، ب.
(٢) في أ، ط: ببابك، وهرب ابن سنباط، وأثبت ما جاء في ب، ظا والطبري (٩/ ٤٩).
(٣) قوله: وعمامة بيضاء لم ترد في أ، ط، وأثبت من ب، ظا والطبري. . و"الدُّرَّاعة": ثوب من صوف.
(٤) في ط: خرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>