للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الواثقُ هارون من أشدّ الناس في القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلًا ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، اعتمادًا على ما كان عليه أبوه المعتصم وعمه المأمون في ذلك، من غير دليل ولا برهان، ولا حجة ولا بيان، ولا سنة ولا قرآن (١). فاجتمع على هذا الرجل أحمد بن نصر جماعة من أهل بغداد، والتفَّ عليه من الألوف أعدادٌ. وانتصب للدعوة إلى أحمد بن نَصْر هذا رجلان، وهما أبو هارون السرَّاج يدعو أهل الجانب الشرقيّ، وطالب (٢) يدعو أهلَ الجانب الغربي. ولمَّا كان شعبان من هذه السنة انتظمَت البيعةُ لأحمدَ بن نَصْر الخُزاعيّ في السرّ على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على السلطان، لِبدعته ودعوته إلى القول بخلق القرآن (٣). . فتواعدوا على أنَّه في الليلة الثالثة من شعبان، وهي ليلة الجمعة، يُضْرَبُ طبلٌ في الليل، فيجتمع الناس الذين بايعوا في مكانٍ اتفقوا عليه، وأنفَقَ طالبٌ وأبو هارون في أصحابه دينارًا دينارًا، فكان في جملة مَن أعطوه رجلان من بني أشْرس، وكانا يتعاطيان الشرابَ، فلمَّا كانت ليلة الخميس شرِبا في قومٍ من أصحابهم، واعتقدا أنَّ تلك الليلة هي ليلةُ الوعْدِ، وكان ذلك قبلَه بليلةٍ، فقاما يضربان على طبلٍ في الليل؛ ليجتمعَ إليهما الناسُ، فلم يجيءْ أحدٌ، وانخرَمَ النّظام، وسمِعَ الحرسُ في الليل، فأعلموا نائبَ السلطنة، وهو محمد بن إبراهيم بن مُصْعَب، نائب أخيه إسحاق بن إبراهيم؛ لغيبته عن بغدادَ، فأصبح الناس متخبِّطينَ، واجتهد نائبُ السلطنة على إحضار ذينك الرجلين، فعاقبهما، فأقرَّا عليه في الحال، فتطلب أحمد بن نصر، وأخذ خادمًا له فاستقرّه فأقرَّ بما أفرَّ به الرجلان، فجمع جماعةً من رؤوس أصحاب أحمد بن نَصْر معه، وأرسَلَ بهم إلى الخليفة بسُرَّ مَن رأى، وذلك في آخر [يوم من] (٤) شعبان من هذه السنة.

فأحضر له جماعة من الأعيان، وحضر القاضي أحمد بن أبي دواد المعتزليّ، ولم يظهر منه على أحمد بن نَصْر عتب.

فلمَّا أوقف أحمد بن نَصْر بين يدي الخليفة الواثق فلم يعاتبْه على شيء ممَّا كان منه في أمر مبايعة العامة له على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأعرض عن ذلك، وقال له: ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلامُ اللَّه. قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلامُ اللَّه. وكان أحمد بن نصر قد استقبل (٥) وحضر، وقد تحنَّط وتنوَّرَ (٦) فقال له الواثق: فما تقولُ في ربِّك، أتَراه يوم القيامة؟ فقال: يا أميرَ


(١) بعدها في ط: فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى اللَّه، وإلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقول بأن القرآن كلام اللَّه منزل غير مخلوق، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها.
(٢) في ط: وآخر يقال له: طالب. .
(٣) بعدها في ط: ولما هو عليه وأمراؤه وحاشيته من المعاصي والفواحش وغيرها.
(٤) زيادة من ب، ظا.
(٥) في أ: استقل. وفي ط: استقتل وباع نفسه وحضر.
(٦) بعدها في ط: وشد على عورته ما يسترها.

<<  <  ج: ص:  >  >>