للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الخطيب (١): أنَّ رجلًا استعدى المهتدي على خصمه (٢)، فحكم بينهما بالعَدْلِ، فأنشأ الرجلُ يقولُ:

حَكَّمْتُمُوه فقضى بينكُمْ (٣) … أبْلَجُ مثلُ القَمَرِ الزَّاهرِ

لا يقبَلُ الرِّشْوَةَ في حُكْمِهِ … ولا يُبَالي غَبَنَ الخاسرِ

فقال له المهتدي بالله: أمَّا أنت أيُّها الرَّجُلُ فأحسَنَ اللّهُ مقالتك، وأمَّا أنا فإنِّي ما جلست حتَّى قرأت قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)[الأنبياء: ٤٧]. قال: فبكَى الناس حوله، فما رؤي أكثر باكيًا من ذلك اليوم.

وقال بعضُهم: سَرَدَ (٤) المهتدي الصَّوْمَ منذ ولي إلى أن قتل، .

وكان يحب الاقتداء بما سلكه عمرُ بن عبد العزيز الأموي في أيام خلافته، من الورع والتقشّف وكثرة العبادة وشدة الاحتياط (٥).

وقال أحمد بن سعيد الأمويّ: كنا جلوسًا بمكَّة وعندي جماعة يبحثون في النَّحو وأشعار العرب، إذ وقف علينا رجلٌ نظنه مجنونًا، فأنشأ يقول (٦):

أمَا تَسْتَحُونَ اللّهَ يا مَعْدِنَ الحِلْم (٧) … شُغِلْتُمْ بذا والنَّاسُ في أعظمِ الشغْلِ

إمامُكُم أضْحَى قتيلًا مجدَّلًا (٨) … وقد أصبحَ الإسلامُ مفترِقَ الشَّمْلِ

وأنتمْ على الأشعارِ والنَّحوِ عُكَّفٌ (٩) … تصيحونَ بالأصواتِ في أحسنِ السُّبْلِ (١٠)


(١) تاريخ بغداد (٣/ ٣٤٩)، وفيه البيتان، وهما في الكامل لابن الأثير (٧/ ٢٣٤).
(٢) في آ: حقه. وفي تاريخ بغداد عن عبد الله بن إبراهيم الإسكافي قال: حضرت مجلس المهتدي وقد جلس للمظالم، فاستعداه رجل على ابن له، فأمر بإحضاره، فأحضر، وأقامه إلى جنب الرجل، فسأله عمّا ادعاه عليه فأقرَّ به، فأمره بالخروج له عن حقه، فكتب له بذلك كتابًا، فلما فرغ، قال له الرجل: واللّه يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قال الشاعر: …
(٣) في ب، ظا: عليكم.
(٤) "سرد الصوم": أي تابعه. تاريخ بغداد (٣/ ٣٥٠).
(٥) بعدها في ط: ولو عاش ووجد ناصرًا لسار سيرته ما أمكنه، وكان من عزمه أن يبيد الأتراك الذين أهانوا الخلفاء وأذلوهم، وانتهكوا منصب الخلافة.
(٦) تاريخ بغداد (٣/ ٣٥١).
(٧) في تاريخ بغداد: الجهل، وفي ط: النحو.
(٨) في ظا: مجندلا، وهما بمعنى.
(٩) في ب، ظا وتاريخ بغداد: عكّفًا.
(١٠) في ظا: في أنسب السبل، وفي ب: في العقل. وفي تاريخ بغداد: في است أم ذا العقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>