للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صغير، فنشأ في حجر أُمِّه، فألهم حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابنُ ستَّ عشرةَ سنة حتى قيل: إنه كان يحفظ وهو صبيٌّ سبعين ألفَ حديثٍ سردًا.

وحجَّ وعمرُه ثماني عشرةَ سنةً، فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم ارتحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنه (١) الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ.

وروى عنه خلائق وأمم، وقد روى الخطيب البغدادي (٢) عن الفِرَبْرِيّ (٣)، أنَّه قال: سمع الصحيح من البخاري معي نحو من تسعين (٤) ألفًا لم يبقَ منهم أحد غيري.

وقد روي (٥) البخاريُّ من طريق الفِرَبْريّ كما هي رواية الناس اليوم من طريقه، وحَمَّاد بن شاكر، وإبراهيم بن مَعْقِل، وطاهر بن محمد بن مَخْلَد.

وآخر من حدَّث عنه أبو طلحة منصورُ بن محمد بن عليّ البَزْدَوِيّ (٦) النَّسَفِيّ، وقد توفي النَّسَفِيُّ هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمئة، وثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا (٧).

وممن روى عن البخاريِّ مسلمٌ في غير "الصحيح"، وكان يتّلْمَذُ له ويعظِّمُه، وروى عنه الترمذيُّ في جامعه، والنَّسائيُّ في "سننه" في قول بعضِهم (٨).

وقد دَخَلَ بغدادَ ثمان مرات، وفي كُلٍّ منها يجتمع بالإمام أحمد بن حنبل، فيحثُّه أحمدُ على المقام ببغداد، ويلومُه على الإقامة بخراسان (٩).

وقد كان يستيقظُ في الليلة الواحدة من نومه، فيُورِي السّراجَ فيكتب الفائدةَ تمرُّ بخاطره، ثم يُطفئ سراجَه، ثم يقومُ مرَّة أخرى، حثَى كان يتعدَّد ذلك منه قريبًا من عشرين مرة (١٠).

وقد كان أصيبَ بصرُه وهو صغيرٌ، فرأت أمُّه إبراهيمَ الخليلَ؛ ، فقال: يا هذه!


(١) في ظا: أمكنه، وفي ط: أمكنته.
(٢) تاريخ بغداد (٢/ ٩)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٩٨).
(٣) هو محمد بن يوسف الفِرَبْريّ.
(٤) في ب، ظا، ط: سبعين.
(٥) في سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٩٨): روى صحيح البخاري جماعة، منهم: الفِرَبْريُّ …
(٦) ويقال: البَزْدِيّ النَّسَفي، دِعْقَان قرية بَزْدَة، وهي قلعة على ستة فراسخ من نسف. كان آخر من حدَّث بـ الجامع الصحيح عن البخاري.
(٧) الإكمال (٧/ ٢٤٣)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٩٨)، و (١٥/ ٢٧٩).
(٨) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٩٧).
(٩) تاريخ بغداد (٢/ ٢٢)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٠٣).
(١٠) تاريخ بغداد (٢/ ١٣)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>